Ad

ماذا عن وسيلتك الإعلامية التي تنشئها وتديرها أنت على هاتفك النقال؟ هل هي خليط بال ٍمن الجنس والسياسة والدين كما يفعل أصحابنا «رؤساء تحرير الموبايل»؟... «الشيخ يتزوج من العاهرة في القصر الرئاسي»؟ تلك هي التيمة التي ستتبناها، والتي ستؤمّن لك إعجاب الجمهور وطلبه المطرد على منتجك.

قل لي أي الكليبات تحتفظ بها على هاتفك المحمول، أقل لك أي رئيس تحرير أنت. فمع توافر الكاميرات الرقمية، والهواتف المحمولة المزودة بتقنيات التصوير، ومنصات الإرسال الممثلة في البلوتوث والملتمديا والإنترنت، أصبحت أنت أيضاً رئيس تحرير؛ تتحكم بوسيلتك الإعلامية، التي هي هاتفك، فتختار القصص والكليبات التي تريدها، وتستبعد غيرها، ثم تذيع ما اخترت على جمهورك، الذي تحدده بنفسك، أو ترسلها عبر الأثير العام... الإنترنت.

لقد جاءني أحدهم عارضاً «محطته» بفخر واعتزاز؛ إذ اجتهد في حشد قصص وكليبات بعضها نادر والآخر شديد الإثارة والغرابة على هاتفه، فماذا وجدت لديه؟ فيلم إعدام صدام، وآخر يصور نحر رهينة غربية بيد «مقاومين» في العراق. الفيلمان، برغم ما ينطويان عليه من تقليدية وتكرار، جديران بالمشاهدة... ربما فضولاً أو معادلة للأثر!

ماذا لديه أيضاً؟ فيلم لراقصة شهيرة تضاجع رجل أعمال لا يقل شهرة، قيل إنه زوجها، وهي تصدر أصواتاً «تجفل لها البهائم في الزريبة»، على رأي عمنا الطيب صالح في روايته «موسم الهجرة إلى الشمال». الراقصة نفسها في الفيلم التالي تتحدث إلى مذيع شهير؛ سألها: ماذا كان رد فعل أسرتك بعد مشاهدة الفيلم، أجابت: «أسرتي لم تعلق أو تستاء... هم ربوني جيداً، ويعرفون أخلاقي». في اختيار الفيلمين، وما لحق بهما من مونتاج، ووضعهما في التتابع عمل يليق بالمحترفين، ورسالة يراد توصيلها.

الفيلم التالي للشيخ الشعراوي، رحمه الله، يلقي بعبارة ملتبسة، في معرض احتشاده مع الآلاف، مهنئين الرئيس المصري، عقب نجاته من محاولة اغتيال، في منتصف التسعينيات من القرن الماضي. ولسبب غير معروف وضع صاحبنا عقب كليب الشعراوي فيلماً لمطربة شهيرة ترقص رقصاً ماجناً وسط مجموعة من أصدقائها في منتجع. ولسبب مجهول آخر يلي هذا الكليب تصوير واضح لمطربة شهيرة جداً، تبدو، إن صحت الواقعة، بين يدي فتاتين تجملانها بنزع الشعر عن المناطق الحساسة في جسدها.

وفي القسم السياسي، وضع صاحبنا كليباً يصور ضرب مواطن على قفاه، بحركة متتابعة محترفة وآلية، في أحد أقسام الشرطة، ثم تظاهرة أمام سلم إحدى النقابات المهنية، حيث تنتهك أعراض بعض المتظاهرات بوضوح. الفيلم التالي توسيع لفكرة التحرش ذاتها؛ فتاة في باب سينما وسط القاهرة، تحاول التخلص من أيدي شبان متحرشين، وحارسان يحاولان حمايتها بإدخالها ردهة المبنى من دون السماح للشبان بالولوج وراءها. البنت فقدت معظم ملابسها، وصراخها يسمع بوضوح، صراخ هكذا محض من دون استغاثة.

الفيلم التالي يعادل السابق تماماً، بنات يبدو من ملابسهن وطريقة تصرفهن أنهن من المتهمات في قضايا الآداب، يعبرن بـ «حرية» و«انفتاح» شديدين عن مشاعرهن وأشياء أخرى، في زنزانة بأحد الأقسام. الفيلم التالي للبنات أنفسهن يتعرضن لضرب قاس ٍبكرباج بيد شخص لم تظهره الصورة، وهن يصرخن بفزع يبدو حقيقياً، وبعضهن يتسلقن جداراً هرباً من الجلد العشوائي العنيف المتلاحق، وفيما يهربن يتعثرن في ملابسهن، فتبدو المناطق الحساسة في أجسادهن متاحة للنظر ولصفعات الكرباج في آن.

وأخيراً وفي قسم المنوعات، فيلم غربي تماماً وضاحك في الوقت ذاته؛ ففريق عمل الفيلم مكون على ما يبدو من شخصين؛ أحدهما خلف الكاميرا، والآخر يتسلل بخفة واحتراف عال ٍخلف الضحية التي تكون عادة أنثى في أواسط العمر وفي زي معين، برشاقة وخفة واضحتان يتمركز رجل الميدان في مقابل الجزء الخلفي الأسفل من جسد الضحية، ثم ينزع ثيابها بحنكة لتظهر مؤخرتها واضحة تمام الوضوح، قبل أن تصرخ الضحية، وتعمد إلى تغطية ما انكشف، يكون صاحبنا قد هرب. الفيلم مدته نحو ثلاث دقائق، تظهر خلالها نحو عشرين مؤخرة، ومعها عشرات الصرخات الفزعة، وضحكات المشاهدين... الذين هم نحن.

يبقى أن أؤكد أن كل ما قرأته أنت في السطور السابقة حدث بالدقة والتتابع نفسهما، وأنه لا مبالغة أو افتعال فيما نقل لك عن هذه «المحطة» الهاتفية بأي صورة من الصور. كما بقي أن أسألك:

هل أعجبتك الأفلام السابقة؟ هل رأيت مثلها؟ هل لديك على هاتفك بعضاً منها أو شبيهاً لها؟ هل ستشاهدها إذا عرضت عليك؟ وهل ستطلب ممن يعرضها أن يرسلها لك، لتحتفظ بها على هاتفك؟ هل ستضحك عندما تشاهد المشاهد «الفكاهية» فيها، وهل ستتلذذ بجلد الفتيات «المنحرفات» بعدما تلذذن بمداعبة حيائك وخيالاتك؟ وهل ستشعر بالرضا لنحر الرهينة الغربية في أعقاب إعدام صدام؟

والآن، ماذا عن وسيلتك الإعلامية التي تنشئها وتديرها أنت على هاتفك النقال؟ هل هي خليط بال ٍمن الجنس والسياسة والدين كما يفعل أصحابنا «رؤساء تحرير الموبايل». «الشيخ يتزوج من العاهرة في القصر الرئاسي»؟ تلك هي التيمة التي ستتبناها، والتي ستؤّمن لك إعجاب الجمهور وطلبه المطرد على منتجك. لماذا إذن تعيب على وسائل الإعلام النظامية؟ لماذا تعتبرها خانعة مرهونة للسلطة، ومبتذلة غير أخلاقية تحت سطوة المنفلتين والمنحرفات، ولا دينية وغير أخلاقية أو غارقة في الخزعبلات؟

لا تَعِبْ إعلامنا... فإعلامك أسوأ وأضل سبيلاً.

* كاتب مصري