السلطة ستكون بطبيعة الحال مع القوى المؤثرة أياً كان توجهها، فهل سيكون موقفها حيادياً وموضوعياً أم ستتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟ وهل ستترك الانتخابات الفرعية التي بدأ التحضير لها ولم تطبّق قانون تجريمها؟ وهل ستسمح باستمرار نقل الأصوات؟ إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة ليست قطعية ولكن طرحها واحتمال حدوث ذلك وارد.كيف لي أن أستشرف المستقبل وأنا معنـيّ بدراسة الماضي؟ لكن ما يسعفني في مسعاي أمران: الأول، أن مجال تخصصي هو في التاريخ الحديث المعاصر، والثاني، أن مشكلات اليوم تمتد جذورها إلى الماضي، ومشكلات المستقبل مبنية على معطيات الحاضر، وبقراءة متأنية للواقع تجعلنا نتشاءم مما هو قادم على الرغم من محاولاتنا في التفاؤل.
من هنا فإن حدثاً كالذي تنتظره الكويت هو الانتخابات البرلمانية لعام 2010 ينظر إليه الكثيرون على أنه ليس كأي انتخابات برلمانية كويتية سابقة منذ بداية الثمانينيات من القرن العشرين، والأسباب وراء هكذا رؤية استشرافية تكمن في الآتي: أولاً، أنّ تقسيماً جديداً للدوائر الانتخابية قد حدث ويدعو إلى التفاؤل أكثر مما مضى، وذلك بتقليل عدد الدوائر إلى خمس مما يمنع التفتيت والتلاعب وتحكّم قوى معينة بزمامها. وثانياً، أن مشاركة المرأة في الانتخابات القادمة ترشيحاً وانتخاباً ستكون أكثر فاعلية وتأثيراً من الانتخابات السابقة، وثالثاً، أن متغيرات تحدث وستحدث سيكون لها تأثيرها المباشر وغير المباشر على الانتخابات القادمة.
إن التحرك المبكر لبعض القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة في الساحة الكويتية يدلّ على تنظيم وتكتيك بارعين، وعلى أن هناك تحالفات وانتخابات فرعية يجري التخطيط لها، وأن تصويت المرأة سيكون مؤثراً وفعالاً في النتائج، وسيكون التيار الديني المستفيد الرئيسي منه. لقد كان التيار الليبرالي هو المطالب الأساسي بحقوق المرأة السياسية منذ سنوات طويلة حتى تحقق ذلك، لكن المفارقة هي أن هذا التيار سيكون هو الخاسر الرئيسي بسبب تصويت المرأة، وذلك لمقدرة التيار الديني على العمل والنشاط وسط النساء اجتماعياً ودعوياً، وتهيئة هذا القطاع الهام للانتخابات القادمة مبكّراً على الرغم من معرفة المرأة بأن أغلب رموز التيار الديني كانوا ضد حصولها على تلك الحقوق.
وإنّ اعتقاد البعض، نتيجة لقراءة سياسية خاطئة، أن المجتمع يتطور، وأن التعصّب القبلي والطائفي يضعف نتيجة التعليم والثقافة، ولن يكون تأثيره كالسابق، نقول إنه ثبت خطأ هذا التصور وتلك القراءة وقصورها، فالولاء والانتماء القبلي والطائفي لايزالان قويين ومؤثرين، ويجدان مناخاً جيداً للتأثير من قبل السلطة، ومن خلال طبيعة الظروف السائدة والممتدة على الساحة الكويتية وبالقرب منها.
لقد فرحنا عندما تغيرت الدوائر من منطلق نظري وعملي يقول إن كبر حجم الدائرة وزيادة عدد الناخبين، وحصول المرأة على حقها السياسي اقتراعاً وترشيحاً كلها أمور ستقضي على سلبيات الماضي، لكننا لم ندرك أنّ مثل ذلك يمكن أن يفرغ ذلك الإطار من محتواه، ويوجهه توجيهاً تكون نتيجته على عكس ما تمنيناه لأن الإشكالية ليست فقط في عدد الدوائر، وفي حق المرأة السياسي ولكن في طبيعة القوى السياسية والمجتمعية الفاعلة، ومدى تأثيرها في المجالين.
وكما يبدو واضحاً لذي بصيرة أنه ليس لمصلحة المستنيرين والليبراليين، أضف إلى ذلك ما يمكن للسلطة أن تفعله في المرحلة القادمة حتى انتخابات 2010 أو في أثنائها، فهي ستكون بطبيعة الحال مع القوى المؤثرة أياً كان توجهها، فهل سيكون موقفها مثلاً حيادياً وموضوعياً أم ستتدخل بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟ وهل ستترك الانتخابات الفرعية التى بدأ التحضير لها ولم تطبق قانون تجريمها؟ وهل ستسمح باستمرار نقل الأصوات؟ وهل سيتدخل المال في هذه الانتخابات أياً كان مصدره لشراء الذمم من دون أن تحرك السلطة ساكناً؟ إن الإجابة عن مثل هذه الأسئلة ليست قطعية ولكن طرحها واحتمال حدوث ذلك وارد.