إن التجمع حق مطلق للأفراد لا يجوز فيه اشتراط موافقة الحكومة، ويبقى هنا الدور على الحكومة بحفظ النظام أثناء التجمع وهذا ما عناه الدستور عندما نص على تنظيمها بقانون، بمعنى أن دور الحكومة وجد لحفظ هذا الحق وحمايته وليس تقويضه.مثيرة للشفقة حال الحكومة وطريقة تفكيرها، وأصبح واضحاً أن انتقادها بعدم حيازتها خطة خمسية وبعض من بعد النظر هو ظلم وتجنٍّ على قدرات الحكومة المتواضعة في التخطيط التنفيذي والتكتيك السياسي، حيث أثبتت أنه ليس لديها حتى بعد نظر لأكثر من أسبوعين، إذ أجلت إصدار مرسوم الدعوة للانتخابات بهدف تخفيف حدة الطرح تجاهها وربما إعطاء الفرصة لارتكاب جرائم الانتخابات الفرعية، ولكنها أتت لتصدر مرسوماً بقانون لمنع التجمعات الذي أعطى المرشحين مادة غنية لتأليب الشارع عليها.
لقد اعتدنا على استغلال الحكومة للمادة 71 من الدستور لإصدار قوانين لا تحمل صفة الضرورة أثناء غياب المجلس وكأنه تحدٍّ له أو في أحسن الأحوال تملصٌّ واختباء وراء الحل، ولكن الجديد هذه المرة هو قيام الحكومة بتحدي القضاء الذي حكم بعدم دستورية قانون منع التجمعات السابق، فتأتي الحكومة الآن بقانون آخر واجب النفاذ لا يختلف عما أسقطته المحكمة الدستورية قبل عامين.
إن حجة الحكومة بضرورة القانون غير الدستوري للتصدي للفرعيات «مأخوذ خيرها»، إذ هناك قانون قائم بحد ذاته يجرم الانتخابات الفرعية باستطاعة الحكومة تفعيله إن أرادت، كما أن عجز الحكومة عن التصدي للفرعيات لا يعطيها الصلاحية لمصادرة حق أصيل ومُسَلّم به لجميع المواطنين، والأهم من هذا وذاك هو أن أي قانون يخالف نصوص وروح الدستور باطل ولا مجال لمناقشة مبرراته، وبالتحديد قانون كهذا تم البت بعدم دستوريته من قبل المحكمة الدستورية ولم يعد خاضعاً لاجتهادات تفسير الدستور.
المادة 44 من الدستور تقول «الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات مباحة وفقاً للشروط والأوضاع التي بينها القانون». إذن الأصل بالأمور الإباحة والمنع استثناء، وهذا هو الاتجاه الذي يتخذه الدستور بنصه وروحه، فإن كان الدستور وهو أبو القوانين يحرم تنقيحه باتجاه تقليص الحريات العامة، فإن من المنطقي أن إصدار أي قانون يقلص الحريات العامة هو محرم أيضاً. إن التجمع حق مطلق للأفراد لا يجوز فيه اشتراط موافقة الحكومة، ويبقى هنا الدور على الحكومة بحفظ النظام أثناء التجمع وهذا ما عناه الدستور عندما نص على تنظيمها بقانون، بمعنى أن دور الحكومة وجد لحفظ وحماية هذا الحق وليس تقويضه.
أشدنا بإشارات الجدية التي أبدتها الحكومة في تصديها لجرائم الانتخابات الفرعية، وقلنا إنها خطوة في الطريق الصحيح باتجاه استعادة الهيبة، لكن من الخطأ أن تخلط الحكومة ما بين مفهوم الهيبة وترسيخ ثقافة المنع والتخويف.
Dessert
لا هيبة لحكومة تستغفل السلطة التشريعية وتتحدى السلطة القضائية وتهدم الأسس الدستورية للدولة.