معاملة الأقباط كـ «مواطنين» في الدولة الإسلامية الحديثة، كانت واحدة من مفاجآت وثيقة ترشيد العمل الجهادي، التي قدم فيها الشيخ سيد إمام الشريف نقلة في فكر المتشددين الإسلاميين تجاه عدد من القضايا، خاصة أن المفهوم التقليدي الشائع في هذه القضية من قبل، كان يرتكز على معاملة الأقباط باعتبارهم أهل ذمة، بل إن قيادات إخوانية طالبت بضرورة دفعهم الجزية وعدم دخولهم الجيش لأداء فريضة الجهاد دفاعا عن الوطن.
وهذه النظرة الجديدة التي وردت في مراجعات «أمير الجهاد» السابق، التي تحمل رؤية أكثر تقدمية من «الإخوان المسلمين»، كانت مثارا لجدال ورغبة إخوانية في تأكيد اعترافهم بفكرة «المواطنة» للأقباط، والتراجع والتبرؤ من تصريحات سابقة بعضها كان لمرشد الجماعة مصطفى مشهور.وفي البداية، أكد الدكتور عصام العريان القيادي البارز في الجماعة، أن الإخوان سبقوا كل الجماعات الإسلامية الموجودة على الساحة في موقفهم من النصارى واليهود معتبرين إياهم أهل كتاب، وبالتالي تنطبق عليهم جميع ما ينطبق على أهل الكتاب وما ورد عليهم في القرآن، والإخوان سبَّاقون في ذلك من خلال الشعار الذي رفعته الجماعة في برامجها وهو «لهم ما لنا وعليهم ما علينا».واستشهد العريان بممارسات الإخوان في دفع الأقباط إلى المشاركة في العمل السياسي، حتى يصبحوا مواطنين حقا، وأقرب مثال على ذلك دفع الجماعة لتأييد المرشح القبطي سامح فوزي في انتخابات نقابة الصحافيين المصرية الأخيرة، وترشيح جمال أسعد في انتخابات مجلس الشعب عام 1987، تحت شعار «الإسلام هو الحل»، وعضويته في المجلس بسبب دعم الجماعة له.وأضاف العريان أن أحد أسباب اختلاف الإخوان مع جماعة الجهاد والجماعة الإسلامية، موقفهم المتشدد من الأقباط، الذي تغير بصدور هذه الوثيقة، غير أن المهم في هذه القضية التطبيق العملي لما تم الحديث بشأنه.وطالب العريان جميع المتشددين في مواقفهم تجاه الأقباط بأن يأخذوا هذه الوثيقة مأخذ الجد، وأن يعملوا بما ورد فيها، خاصة أن الدكتور فضل يتمتع بقبول كبير بين المتشددين.ومن جانبه، قال عضو مكتب الإرشاد الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح إن ما نادت به جماعة الجهاد نادى به الإخوان من قبل عشرات المرات، وهو مدون في أدبياتهم ومعروف في ممارستهم العملية.وضرب أبو الفتوح مثالا بمحاولة دفع الجماعة لمرشحين أقباط في انتخابات المحليات المؤجلة عامين، غير أن الأقباط رفضوا المشاركة، فدعوى أن الأقباط يعاملون معاملة الذميين أمر عار ٍتماما من الصحة.وأكد أن الإخوان غيّروا في مواقفهم بما يناسب الاجتهادات الفقهية التي جاءت على خلفية مدنية الدولة والمؤسسات المستحدثة، لذلك فلا مانع لدى الإخوان أن يتولى الأقباط أيا من المناصب كمواطنين من الدرجة الأولى، لهم جميع الحقوق وعليهم جميع الواجبات.وقال الدكتور إبراهيم الزعفراني من قيادات الصف الثاني، إن الأقباط مواطنون من الدرجة الأولى لهم جميع الحقوق والواجبات، وإن البطاقة الشخصية حلت محل مفهوم أهل الذمة، وحلت الضرائب محل الجزية في ظل الدولة المدنية الحديثة، حيث يشترك الأقباط والمسلمون تحت حكم واحد.وأوضح الزعفراني أن ما قيل على لسان الشيخ محمد عبد الله الخطيب في فتاوى بناء الكنائس، الكثير منها فُهم خطأ، وبعضها تراجع عنه الشيخ، ونفس الشيء ينطبق على فتوى المرشد الأسبق مصطفى مشهور التي أثارت جدلا واسعا، حين طالب بدفع مسيحيي مصر للجزية، ومنع دخولهم في الجيش والمراكز الحساسة، على اعتبار أن ذلك في دولة إسلامية، وأضاف الزعفراني إن الاخوان تبرأوا مما صرح به مشهور، وسعوا إلى تصحيحه. وأكد الزعفراني أن مواقف الإخوان العملية تؤيد مبدأ المواطنة، فكثيرا ما يلتقي المرشد العام للإخوان بوفود من الكنيسة، وكثيرا ما يتبادل معهم التهاني ويدعوهم إلى إفطاره السنوي، ومنهم من يلبي وأكثرهم لا يلبي.واستعرض الدكتور الزعفراني لجوء أحد وزراء الداخلية إلى المرشد الأسبق عمر التلمساني بعد الفتنة الطائفية في منطقة الزاوية الحمرا (وسط القاهرة)، حيث قام بعقد لقاءات صلح بين الطرفين وإخماد نار الفتنة المشتعلة، وهذا إن دل فإنما يدل على أن هناك مصداقية في تعاملات الجماعة ومواقف واضحة تؤكد تعامل الإخوان على مبدأ المواطنة.ويؤكد ذلك الزعفراني من خلال استشهاده بأحد مساعدي الإمام الشهيد حسن البنا وكان قبطيا، وهو مكرم عبيد، حتى أنه كان من المعدودين الذين ساروا في جنازته، كما أن الدكتور رفيق حبيب، وهو رمز قبطي، يعتبر من أبرز مستشاري المرشد الحالي. ومن جانبه يقول الشيخ محمد عبد الله الخطيب من علماء الأزهر الشريف وعضو مكتب الإرشاد في الجماعة، إننا لا ندّعي كمالا في الدين، غير أننا نلتزم بقواعد الدين وأحكامه، لذلك نكون أسبق في الأحكام التي تخلف عنها الآخرون، والمواطنة تحدث عنها الإخوان قديما، بل ومارسوها عمليا في تعاملاتهم، سواء من خلال التنظيم أو من خلال الأفراد في التعاملات اليومية البسيطة.
تحقيقات ودراسات
الإخوان يتبرّأون من تصريحات مرشدهم السابق ويعلنون سبقهم مراجعات الجهاد
28-11-2007