ناصر المحمد ومغنية وهواك...2

نشر في 05-04-2008
آخر تحديث 05-04-2008 | 00:00
 إيمان علي البداح

الأهم أن نتعلم من تلك القضية شيئاً من التريث والفكر النقدي، وأن نمنع عقولنا من أن تتحول إلى إسفنجة سلبية تمتص ما حولها من دون فرز أو تمييز، وأن نعي أن العاطفة طاقة جبارة إن أحسنا استخدامها، إلا أنها سرطان قاتل إذا سمحنا لها بأن تسيطر على عقولنا وتصرفاتنا، وأن نستوعب أن كون المعلومة شائعة لا يجعلها حقيقة.

في الجزء الأول من هذه المقالة قدمنا مثالا لضعف التفكير النقدي والموضوعي من خلال تحليل تعامل المجتمع الكويتي والحكومة والمجلس مع قضية تأبين مغنية. ولكن يبقى لغز آخر لم ينجلِ بعد، وهو ما علاقة «حزب الله» بموضوع الجابرية أصلا؟! ولمَ الافتراض أن كون مغنية قد توفي وهو عضو في «حزب الله» فالحزب مسؤول عن كل تصرفاته سواء قبل أو بعد انضمامه إلى الحزب؟ ولمَ لم نحاسب «فتح» مثلا، وقد انضم إلى صفوفها في فترة ما؟ ولمَ لم يذكر اسم «حزب الله» أثناء التغطية الإخبارية للاختطاف والتفاوض، رغم تردد اسم إيران وحزب الدعوة في ذلك الحين؟ ولمَ لم يتفضل أحد للتأكد إن كان هنالك ما يسمى «حزب الله» في يوم أو حتى سنة اختطاف «الجابرية»؟ ومن أين أتت هذه الثقة بأن «حزب الله» مسؤول عن اختطاف «الجابرية»؟

والسؤال الطبيعي بعد ذلك هو: متى أصبح «حزب الله» تنظيماً محظوراً؟ وكيف يحظر «سرياً» ثم يدان من ينضم إليه؟! وكيف يكون محظوراً ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى تتخاطب وتتعامل معه كطرف وند؟ فهل كان محظوراً عندما خرج الآلاف من الكويتيين (السُنّة قبل الشيعة) في مسيرات الدعم أثناء حربه مع إسرائيل؟ ولمَ لم تتحرك الحكومة آنذاك؟

هذه الأسئلة مشروعة ومنطقية وتقدم بها الكثير من الكتاب مشكورين وعلى رأسهم الأستاذ عبداللطيف الدعيج، ولكنها للأسف لم تصل إلى القارئ لأن العاطفة غلبت العقل وأقفلته. الأمل الآن أن الزمن وتصريح «السلطة» كفيلان بفتح جانب بسيط من العقل والمنطق ومراجعة النفس خصوصاً مع اقتراب الانتخابات وما تحمله من زخم وضغط عاطفي.

الأهم أن نتعلم من تلك القضية شيئاً من التريث والفكر النقدي، وأن نمنع عقولنا من أن تتحول إلى إسفنجة سلبية تمتص ما حولها من دون فرز أو تمييز، وأن نعي أن العاطفة طاقة جبارة إن أحسنا استخدامها، إلا أنها سرطان قاتل إذا سمحنا لها بأن تسيطر على عقولنا وتصرفاتنا، وأن نستوعب أن كون المعلومة شائعة لا يجعلها حقيقة، وأن هنالك فرقاً جذرياً بين التوقعات والتهيؤات والافتراضات وبين الوقائع والحقائق، وأن لكل منا -مهما وصلت درجة ثقافتنا أو تجاربنا أو خبراتنا في الحياة- تحيزات وميولاً وتفضيلات نعي بعضها وبعضها الأخطر يتحكم بتصرفاتنا من دون وعي منا، فكلما وعينا باللامنطقي واللاعقلاني داخلنا اقتربنا من المنطق والعقل.

لنأخذ تلك الدروس في تحديد مواقفنا وتعاملاتنا مع القضايا الساخنة والحساسة التي تدور حولنا الآن مثل إزالة الدواوين والفرعيات والانتخابات، ولنأمل أن تعي حكومتنا الرشيدة نفس الدروس وتتصدر مسيرة العقلانية والمنطق.

back to top