العراق... أين العرب؟!

نشر في 20-04-2008
آخر تحديث 20-04-2008 | 00:00
 صالح القلاب

ما يمكن اعتباره مفاجأة بالفعل أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي كان أكثر المدافعين حماساً عن الدور الذي تلعبه إيران في العراق، سياسياً وأمنياً وتطهيراً طائفياً، بات ينتقد التدخل الإيراني السافر في الشؤون العراقية الداخلية علناً. وهذا تطور يجب أن يلتقطه العرب، خصوصاً بعض دول الجوار.

هناك تحولٌ في العراق بالنسبة لقواعد الاشتباك والصراع وهو تحول واضح. ففي السابق، حتى حرب البصرة الأخيرة، كان الاقتتال يتخذ طابعاً مذهبياً وطائفياً وأثنياً؛ الشيعة ضد السنة، والسنة ضد الشيعة، والعرب المتطرفون ضد الأكراد، والأكراد وخصوصاً في كركوك ضد العرب، وكان للتركمان والأشوريين والصابئة واليزيديين والفيليين نصيب في رقصة الموت المستمرة على مدى الفترة الماضية منذ ما بعد سقوط بغداد.

كان التطاحن الدموي بين الشيعة والسنة يجري على بغداد ومناطق أخرى متداخلة طائفياً في أجزاء أخرى من العراق، وكان هدف المتشيعين سياسياً والتابعين لـ»إطلاعات» الإيرانية و»فيلق القدس»، الذي من الظلم أن يُعطى هذا اللقب، هو السيطرة حتى على «الأعظمية»، و»تطهير» العاصمة العراقية من الطائفة السنية لإعطائها بالقوة هوية «مدينة الصدر» التي كان إسمها في عهد عبدالكريم قاسم «مدينة الثورة».

الآن بدأت الصورة تتغير فالاقتتال أصبح شيعياً- شيعياً؛ جيش المهدي بقيادة مقتدى الصدر من جهة، وحزب الدعوة بقيادة نوري المالكي والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بقيادة عبدالعزيز الحكيم من جهة أخرى. والاقتتال أصبح سنياً– سنياً بين مجموعات «الصحوة» القبائلية والمجموعات السنية الأكثر تطرفاً، وهي مجموعات من الثابت أنها تعمل بالتنسيق مع «القاعدة» وبتبادل الأدوار معها وبالانطلاق من غرفة عمليات واحدة تضم أيضاً بقية ما تبقى من موالين لنظام صدام حسين السابق بقيادة عزة الدوري الذي هناك معلومات تؤكد أنه يتواجد في المناطق المتاخمة لحدود العراق في إحدى الدول العربية.

ووفقاً لهذه الصورة المستجدة لطبيعة الصراع والاقتتال فإن ما يمكن اعتباره مفاجأة بالفعل أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الذي كان أكثر المدافعين حماساً عن الدور الذي تلعبه إيران في العراق، سياسياً وأمنياً وتطهيراً طائفياً، بات ينتقد التدخل الإيراني السافر في الشؤون العراقية الداخلية علناً. وهذا تطور يجب أن يلتقطه العرب، وخصوصاً بعض دول الجوار، لإعادة النظر في مواقفهم السابقة إزاء رئيس الوزراء العراقي الذي كانوا يعتبرونه أكثر ولاءً لطهران منه للبلد الذي هو رئيس وزرائه.

يجب أن تتحرك الدول العربية المعنية فعلاً بوقف الاختراقات الإيرانية للعراق التي وصلت حدوداً خطيرة، أمنية وعسكرية وسياسية واجتماعية، وتعيد النظر في سياساتها ومواقفها السابقة التي اتخذت طابع الحياد السلبي واستغلها الإيرانيون ليملأوا الفراغ وليحققوا هذه الاختراقات التي إن لم يتم التصدي لها الآن، بالاعتماد أساساً على العرب الشيعة، فإن هذه المنطقة كلها ستواجه عصراً صفويّاً جديداً قد يستمر مئات الأعوام.

لايزال العرب، الذين وصل التدخل الإيراني في العراق وفي المنطقة إلى أبواب منازلهم، يتصرفون ببطىء وعدم اكتراث وبأساليب تقليدية بالية وعاجزة. فاجتماعات دول الجوار المتواصلة منذ فترة طويلة غدت مملة وكئيبة ورتيبة بإنجازها الوحيد منذ أن بدأت، وهو أنها شكلت غطاءً عربياً للاختراقات التي حققها الإيرانيون في بلد عربي هو بالفعل الخاصرة الشرقية للأمة العربية.

لابد من وضع حدٍّ لهذه الأساليب الآنفة الذكر البليدة البائسة ولابد من التحرك بسرعة إزاء هذه المستجدات العراقية حيث طرأ تغير حقيقي على قواعد لعبة الصراع، ولابد من إسناد اليقظة الشيعية العروبية الرافضة للتدخل الإيراني السافر في شؤون العراق، ولابد بالمقدار ذاته من الضغط على بعض المجموعات السنية المتطرفة التي بما تقوم به لا تخدم إلا المخططات الإيرانية التي تسعى لإدخال الشيعة العـراقيين كلهم وأيضاً شيعة بعض الدول العربية في بيت طاعة «الولي الفقيه» وإشعار هؤلاء أن لا مستقبل لهم ولا أمن ولا أمان إلا بالتبعية لـ «إطلاعات» وحراس الثورة!

* كاتب وسياسي أردني

back to top