ليلة القبض على يوسف المشاري
إلى يوسف ثنيان المشاري ورفاقه... عندما افترقنا... في منطقة النزهة في مساء يوم سبت باهت... كان افتراقنا قسرياً فأصبحتم أسرى ونظل نحن بانتظار موعد اللقاء.
كانت تلك ليلة حزينة من ليالي أكتوبر من سنة 1990، اختفى يوسف المشاري ورفاقه من بيننا هكذا، وانسلوا من دون حساب في التاريخ. كنا في بيت كئيب في حافة منطقة النزهة نتبادل الرؤى والأفكار وكيف لمقاومة المحتل أن تتعزز، فانقضت علينا فلول التتار الغازية واختطفوا من بيننا قيادة المقاومة ومن بينهم قرة العين يوسف المشاري. كانت ليلة توقف فيها الهواء، وجفّ فيها الحلق، ويَبسَ فيها الدمع في المآقي. ليتك كنت معنا يا يوسف لترى حالنا اليوم وتعلم بأننا لم نستفد من درس الغزو شيئا، وليت الغزاة كانوا قد عرفوا قيمتك فينا، ولكن أين هم... وأين قيمة الإنسان؟!كنا حينها معاً نتبادل الحديث ونضحك في ذلك البيت الكئيب الذي كنا نسعى فيه للتباحث بشأن البقاء والموصد ورفع معنويات الناس، أيام مضت... وأيام جاءت وابتسامتك الجميلة المشرقة لا تفارق مخيلتي... وكان قُدر لنا أن ننجو... بمصادفة ما... بقدر ما... ضاعت الأشياء... فكانت تلك الليلة هي النكسة بعد النكبة. نكبة الغزو تلتها نكسة اعتقالك وغيابك عنا. كنت... وكنا يا سيدي... نتعلم منك «على ضوء الشمعة... لا بل على ضوء الظلمة... وكنت فينا معيناً. رأيتك عندما تركت أوروبا وعبرت الحدود لتكون معنا «فوق الاحتلال... لا تحته». دقائق معدودة يا سيدي الجميل... اختلفت فيها الأشياء... دقائق معدودة فرَّقت بيننا وأضاعتك من بين أيدينا... وكم كان ضياعاً... فلم أكن أعلم حينها بأنها آخر ليلة أرى فيها ابتسامتك المشرقة... وعندما قدَّر الله لنا أن نبحث عنك لاحقاً وأثناء الاحتلال في سجون بعقوبة والموصل وتكريت والرمادي وأبو غريب... فالعراق لم تكن إلا سجناً كبيراً... بحثنا عنك بين وجوه أسرانا الأبطال فلم نجدك... كان وجهك المشرق غائباً... فبحثنا عنك مرة تلو المرة... فلم نجدك هناك... ووجدتك بين حنايا القلب... «وقلبي بين عذوق النخل... فمَن يصل القلب الآن؟!».منذ سنوات مضت أهديت كتابي إليك... إليكم، وأرى مناسباً في ذكرى اختطافك ورفاقك إعادته مرة أخرى فكان إهداء غير تقليدي إلى أسرى غير تقليديين... فإلى يوسف ثنيان المشاري ورفاقه... عندما افترقنا... في منطقة النزهة في مساء يوم سبت باهت... كان افتراقنا قسرياً فأصبحتم أسرى ونظل نحن بانتظار موعد اللقاء.وعندما أسرت كنت أظن أن موعد اللقاء بيننا قد اقترب، وأننا سنلتقي وراء القضبان، ولكن ها نحن نعود مرة أخرى إلى أرض الوطن... وأنتم مازلتم هناك.منذ ذلك الحين أخذنا عهداً على أنفسنا ألا نتوقف عن المسير في اتجاهكم وأن يتحقق موعد اللقاء، ومهما قال القوَّالون، ورغماً عن الوعثاء، وقلة الزاد، وطول السفر، فإننا لعهدكم حافظون...فإلى يوسف المشاري وعبدالوهاب المزين وعادل الرقم وفيصل الصانع وإلى كل رفاقكم فرداً فرداً... حق لكم علينا أن نفعل لأجلكم أكثر مما نقول، فقد كثر بشأنكم القوَّالون... وقلَّ الفعَّالون...وها هي ذكراك تأتي مرة أخرى بعد هذه السنين الطويلة... فليغفر لنا الله تقصيرنا في حقكم.