Ad

مسيرتنا الديموقراطية لن «تنصلح» حالها فقط باختيار الأفضل، ولكن بحزمة إصلاحات جذرية تطول البرلمان كما تطول الحكومة، فالعلاقة بين المجلس والحكومة هي علاقة غير متكافئة، حيث يستطيع المجلس في أحسن حالاته أن يوقف إجراء حكومياً خاطئاً عن طريق استخدام أدواته الدستورية.

أظن أن المرشحين للمجلس القادم قد لاحظوا بعين مفتوحة حالة الضيق وعدم الرضا التي تصل أحياناً إلى درجة الكفر بالديموقراطية لدى الناخبين، ولربما لاحظ المرشحون إن كانوا من ذلك النوع الذي يمتلك القدرة على الملاحظة، بأن عدداً من الناخبين، ربما لن يكون قليلاً، قد اعتزموا عدم المشاركة في التصويت.

فخلال دراسة استطلاعية أقوم بها لرصد السلوك الانتخابي، اتّضح أن هناك درجة ملحوظة من عدم الثقة بالمرشحين، فهم «ليسوا إلا مجموعة من الانتهازيين» كما يقول ناخب أو إن معظمهم «يمثلون علينا بدلا من أن يمثلونا في البرلمان» كما يقول ناخب آخر، وإن معظمهم «يستغلون كل فرصة لمصلحتهم الذاتية، تعظيما لنفوذهم تارة، وتضخيما لأرصدتهم المالية بطرق ملتوية وغير مشروعة تارة أخرى» كما يقول غيره.

وقد تكون الإجابة التقليدية عن ذلك هي «كما تكونون يولّى عليكم»، وإن هذا هو اختياركم وإن حل هذه المعضلة يتلخص في حسن الاختيار والتصويت للأكفأ والأفضل. وهي إجابة صحيحة من الناحية الإنشائية ولكنها بالتأكيد لا تكفي لحل إشكالية انعدام الثقة، حيث إنها نتيجة للتشوهات التي خربت مسيرتنا الديموقراطية وليست سببا.

فمسيرتنا الديموقراطية لن «تنصلح» حالها فقط باختيار الأفضل، ولكن بحزمة إصلاحات جذرية تطول البرلمان كما تطول الحكومة، فالعلاقة بين المجلس والحكومة هي علاقة غير متكافئة، حيث يستطيع المجلس في أحسن حالاته أن يوقف إجراء حكومياً خاطئاً عن طريق استخدام أدواته الدستورية كالاستجواب وغيره، كما أن المجلس يستطيع أن يشرع قوانين لإصلاح أوضاع بائسة هنا أو هناك، إلا أنه لا يملك صلاحية إدارة شؤون الدولة، فالخلل هيكلي ويحتاج إلى وقفة جادة من المجلس والحكومة على حد سواء.

ويبدو من القراءة الأولية لمعدل الثقة في المرشحين بأنه آخذ في الارتفاع، وللعلم فإن معدل الثقة سلبيٌّ هو في أعلى حالاته في بلاد متقدمة كالولايات المتحدة وبريطانيا مثلا، أما الفارق بيننا وبينهم فإنهم يأخذون الموضوع بجدية كبيرة.

ما أتمناه من مرشحينا الأعزاء، الصالح منهم والطالح أن ينتبهوا ويستوعبوا أن حالة الإحباط هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، وأنهم كنواب يستطيعون البدء بأنفسهم لفهم تلك المعادلة الصعبة، وربما يزرعون شيئا من الأمل والكف عن الأسلوب التقليدي والحكي والكلام «اللي مأخوذ خيره»، وحالما يغوصون في نعمة الكرسي الأخضر الوثير، نجدهم قد نسوا تلك الإحباطات التي عبر عنها الناس، وعادوا إلى سلوك نفس الممارسات. وللحديث بقية.