مدرسة الدكتاتورية!
كما شاهدنا في تاريخنا الحديث فإن مدرسة الدكتاتورية ظلت تنجب تلاميذ أوفياء من خلال دورات تدريبية «كيف تصبح دكتاتوراً في سبعة أيام»، و«كيف تبقى ملتصقاً بكرسيك من دون صمغ»، أو «كيف تقتل أكبر عدد من بني قومك للحفاظ على حكمك»، وربما كان أكثرهم إبداعاً وتفوقاً هو صدام حسين.
ما أكثر الطغاة في العالم، وما أسهل تبريرهم لطغيانهم. فالتاريخ الذي نعرفه هو التاريخ الذي كتبه الطغاة وأساطين الدكتاتورية والقمع، أو كتبه الكثير من وعاظ السلاطين وكتبة البلاط.وهكذا لم يكن غريباً أن يكون أهم كتاب في الفلسفة السياسية عبر التاريخ هو كتاب «الأمير» لمكيافيللي، الذي كان ملخصه عبارة عن خريطة طريق أو هدية كما قال في الكتاب الموجه الى «لورنزو دبييرو دو مدتشي». ولربما كانت أشهر عبارة تم استخدامها في الشأن السياسي هي عبارة مستقاة من ذلك الكتاب وهي «الغاية تبرر الوسيلة». وبعيدا عن البحث في الظروف النفسية التي دعت مكيافيللي لكتابة كتابه الأشهر «الأمير»، وبواعث النفاق الذي مارسه في إهداء تلك الهدية- النصيحة لسليل أسرة مدتشي في فلورنسا- إيطاليا خلال عصر النهضة، فإن قراءة متفحصة لفصول الكتاب تجعلنا نتيقن أن غالبية الدكتاتوريات في العالم قد تعاملت مع مفاهيمه بقدسية، ونفذته بإتقان ما بعده إتقان، وربما أن دكتاتورييّ العالم قد اتفقوا فكرياً أو فعلياً على جعل تلك المبادئ كتابهم الروحي.ومع ذلك فلم يتوقف الطغاة عند ذلك الحد، بل لاشك أنهم قد أضافوا إبداعات، وزيادات، ربما لم تكن تخطر ببال نيقولو مكيافيللي الذي مات عام 1527، وهو لم يبلغ الـ 60 عاماً بعد، ربما كان مكيافيللي يهدف إلى وجود سلطة أمير قوى لإيطاليا لينهي حالة الصراع التي أضعفت البلاد، وربما كان من ضمن أهدافه أن يعبر عن ندمه لخيانته أسرة أل مدتشي، إلا أن التطوير والإبداع الذي أضافهما نجوم الدكتاتورية خلال القرون الخمسة الماضية بحاجة إلى إعادة كتابة «الأمير» مجدداً.وكما شاهدنا في تاريخنا الحديث مدرسة الدكتاتورية ظلت تنجب تلاميذ أوفياء من خلال دورات تدريبية «كيف تصبح دكتاتوراً في سبعة أيام»، و«كيف تبقى ملتصقاً بكرسيك من دون صمغ»، أو «كيف تقتل أكبر عدد من بني قومك للحفاظ على حكمك»، وربما كان أكثرهم إبداعاً وتفوقاً في تلك المدرسة تلميذ نجيب تخرج من قرية العوجة، وهو الذي تميّز عن أقرانه صدام حسين، فبعد أن استولى حزب «البعث» على الحكم عام 1968، وعلى أحد مقاهي تكريت أبلغ صدام حسين الكاتب البريطاني الشهير ديفيد هيرست الذي سأله عن التحديات التي يواجهونها كانقلابيين، فرد صدام حينها «إن الإجراءات والأساليب التي سننفذها لن تجعل أي إمكانية لأي كان أن يسلب السلطة منا». وهكذا كان صادقاً في تعهداته تلك حيث تطلب الأمر غزواً خارجياً لازاحته من على كرسيه.إلا أن الأمر لم يعد يعتمد فقط على قسوة وبطش وقمعية النظام الدكتاتوري فالذي أبقى نماذج دكتاتورية في الحكم على شاكلة حاج محمد سوهارتو لم يكن فقط إجراءاته الداخلية. فأين تكمن معادلة دكتاتور القرن العشرين حتى يضمن بقاءً على كرسيه لمدة تزيد على 30 عاما يفتك بها بما يزيد على المليون من شعبه؟ وللحديث بقية.