الشاعر الفلسطيني الكبير الصديق محمود درويش قال لي إنه يتمنى علي أن أنقل للمسؤولين الإيرانيين رأيه- من باب التنبيه والمودة والنصيحة طبعاً- بأن ليس من واجب أو مهمة رئيس الدولة أن يتكلم كما يتكلم العامة من الناس. لست واحداً من الذين انتخبوا أحمدي نجاد، ولا أظن أن «حواريي» أحمدي نجاد سيرضون عني مهما أفضت في«الدفاع» عنه، ولا أنا بحاجة أيضاً لأحصل شيئاً من أحمدي نجاد أو «رجاله»، لا مادياً ولا معنوياً، ولا علانية ولا من تحت الطاولة! لكنني أجد أن الواجب الأخلاقي والإنساني يدفع بي من جديد لأعلن تضامني مع كل مواقفه المعلنة تجاه الفلسطينيين والقضية الفلسطينية من دون تحفظ وبلا حدود!
أقول هذا الآن لأن العالم يُعبَّأ من جديد ضد إيران وبإرادة ودفع صهيوني وأميركي متصهين، على خلفية تصريحات ومواقف أحمدي نجاد الفلسطينية المعروفة، لكنها المتجددة على هامش محاضرته في جامعة كولومبيا والجدل الذي دار حولها مجدداً وفي ما إذا كانت تخدم القضية الفلسطينية وإيران أم لا؟! والأهم من ذلك إذا ما كانت ضرورية أن يتم الإصرار عليها من قبل رئيس دولة يعرف جيداً أن بلاده محاصرة وفي مرمى النيران؟!
أذكر أن الشاعر الفلسطيني الكبير الصديق محمود درويش قال لي قبل نحو عام على هامش معرض بيروت الدولي للكتاب إنه، وإن كان يشاطر الرئيس نجاد في مواقفه العامة المتضامنة مع القضية الفلسطينية، لكنه يتمنى علي أن أنقل للمسؤولين الإيرانيين رأيه- من باب التنبيه والمودة والنصيحة طبعاً- بأنه ليس من واجب أو مهمة رئيس الدولة أن يتكلم كما يتكلم العامة من الناس.
وقد دار حديث مطول في ما بيننا عن إيران، ولكن من جملة ما قلت له يومها عن نجاد بأن الرجل قد يدرك مثلك محاذير أقواله على المستوى الدولي، لكنه كما يعتقد جازماً، كما أحسب، بأن عليه أن يظهر للناس كما هو على حقيقته ولا يقبل إلا أن يكون كذلك، خصوصا أن شعاره الانتخابي الأساس كان «إن خياركم المفضل للرئاسة يجب أن يكون رجلاً من جنس الناس»!
محمود درويش لم يكن الوحيد الذي نصح بذلك، بل استطيع أن أعدد الكثير من رموز النخبة العربية، بل وجل النخبة الإيرانية أيضا تقول ما قاله الشاعر الفلسطيني الذي لاشك أنه من نخبة النخبة، والأهم من ذلك فإنه قد قالها وعينه على فلسطين التي لا شك في عشقه اللامتناهي لها وعلى إيران التي أراد إسداء النصيحة لأهلها.
غير أنني لابد أن أسجل هنا مئات الوقائع الأخرى التي صادفتني أثناء تجولي في بلاد الله الواسعة والتي جسدت حقيقة أخرى لا تقل أهمية عما سبق، وهي أن الكتل الجماهيرية الكبرى في الوطن العربي والإسلامي، ومن بينها عامة الناس في إيران، ليس فقط معجبون، بل ومغرمون، أحياناً، بمواقف أحمدي نجاد الفلسطينية والمناهضة لأميركا المتصهينة، بل وأحيانا بمواقفه العامة الأخرى؛ فقط وفقط لأنه يتحدث بلغة الناس البسيطة أي من دون رتوش!
قالها لي بائع القماش في حلب، وسائق التاكسي في القاهرة، وأكثرية الناس في بيروت، والبقال في عمان، والحلاق في البحرين، وتسمعها في ديوانيات الكويت، ومقاهي السودان والأسكندرية وزواريب وحارات الوطن العربي والإسلامي كلها، ولسان حالهم جميعاً يقول إنه يذكرنا بجمال عبد الناصر وسواه وبأيام زمان!
وبما أننا نقترب من العشر الأواخر من هذا الشهر الفضيل حيث ذكرى استشهاد الخليفة الرابع أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام يستحضرني في هذا المقام حديث ورد في هذا السياق في رسالته الشهيرة لعامله على مصر مالك الاشتر وهو يقول له فيها:
«وإنما عمود الدين وجماع المسلمين والعدة للأعداء العامة من الأمة فليكن صفوك لهم وميلك معهم... وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل وأجمعها لرضى الرعية، فإن سخط العامة يجحف برضا الخاصة وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة».
أقول مجدداً، قد نختلف مع أحمدي نجاد وقد نتفق معه على أمور كثيرة، لكن القدر المتيقن من اتفاقنا معه هو أن أغلب ما يقوله، لاسيما بخصوص القضية الفلسطينية، بات لسان حال أغلبية أحرار العالم فضلا عن عامة بلاد المسلمين. والأهم من ذلك أننا نريد أن يكون لسان المسؤول هو الناطق بلسان العامة حتى إن أثار سخط النخبة في بلاد العالم كلها، وليس فقط في بلاده، لأن سخط هؤلاء يغتفر مع رضى العامة من الناس هذا بالاضافة إلى أن سخط الصهاينة والمتصهينين عليه من عرب أو عجم قد يغفر له، كما يعتقد بعض الناس، ما تقدم وما تأخر من ذنوبه أيضا والله أعلم!
* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي الإيراني