حزب الله... وتقرير فينوغراد
الدوائر الإسرائيلية وإن كانت قد منيت بالإخفاق في تلك الحرب، فإنها هي التي سعت إلى دراسة نتائجها، وهي التي ستستخلص الدروس والعبر منها حتى لا تقع في نفس الأخطاء عندما تعود. فإسرائيل قد تعلمت درسها الذي لقنها إياه «حزب الله»، و«فينوغراد» شاهد على ذلك، لكن هل تعلم جماعتنا الدرس يا ترى؟!
في عام 2006م وفي أعقاب العدوان الإسرائيلي الثاني على لبنان، وبالرغم من صور الدمار الكبير الذي لحق بلبنان آنذاك، كنت من القلائل الذين كتبوا في الصحافة الكويتية عن عمق الإصابة التي منيت بها إسرائيل في هذه الحرب على المستوى الاستراتيجي.لم يكن من السهل أبداً أن يسبح المرء عكس تيار عشرات المقالات التي اتهمت «حزب الله» وأمينه العام السيد حسن نصر الله بتدمير لبنان عبر الدخول في حرب خاسرة، وكان الأمر بالنسبة لي أشبه بالتغريد خارج السرب عندما كنت أكتب أن صمود «حزب الله» في وجه الآلة الإسرائيلية الجبارة، سيذهل الكيان العبري وسيشغل دوائره البحثية والفكرية لسنوات مقبلة، وأنه سيؤدي إلى تداعيات سياسية خطيرة في داخله، فما بالك بـ«حزب الله» وقد أنزل إصابات فعلية بهذه الآلة الجبارة. (يمكن الرجوع إلى مقالاتي التي نشرت في الزميلة «الراي» خلال الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2006م حول الموضوع). وبطبيعة الحال، فقد تعرضت والزملاء الكتاب الذين حملوا توجهاتي نفسها عن تلك الحرب آنذاك، إلى حملة استنكار وصلت إلى الاستهزاء الخارج عن أصول اللياقة من قبل بعضهم سواء في الصحافة أو في المنتديات والمدونات. اليوم وبعد سنتين هاأنذا أعود إلى الموضوع نفسه، ليس للرد على أولئك المستهزئين رغبة في رد الصاع صاعين، وإنما بقصد أن أبين للقارئ أن ما استشرفته في ذلك الوقت قد أصبح ماثلاً للعيان اليوم في إسرائيل، فها هي منهمكة هذه الأيام بلعق جراحها العميقة من حربها الثانية على لبنان والتي تكشفت للجميع بعد نشر تقرير «فينوغراد» في صيغته النهائية، ذلك التقرير الذي تضمن اتهامات خطيرة للعسكريين الإسرائيليين، من أعلى رتبهم حتى أدناها، بالخوف والتردد ونقص التدريب وغياب التنسيق، وبوجود ثغرات خطيرة على أعلى مستويات الهرمية السياسية والعسكرية، وإشارات إلى فشل المؤسسة العسكرية في حماية المدنيين من صواريخ «حزب الله».ويعلم المتابعون، أن هذا التقرير المهم كان قد خلص في صيغته الأولية التي نشرت أواسط العام الماضي إلى اتهام رئيس الحكومة إيهود أولمرت بالفشل الذريع وبسوء التقدير والتخطيط، وأنه مسؤول مسؤولية مباشرة عن الإخفاق الكبير والخطير في تلك الحرب، مما دعا العديد من النواب والشخصيات العامة في إسرائيل إلى الدعوة إلى استقالته وإجراء انتخابات مبكرة.تلك الهزيمة المؤلمة للحكومة والجيش الإسرائيليين على يد «حزب الله»، وبحسب ما تظهره دراسات كثيرة أجراها الإسرائيليون أنفسهم، أدت إلى فقدان المواطن الإسرائيلي الشعور بالأمن الشخصي، وبروز فجوة ثقة كبيرة بينه وبين حكومته وقادته العسكريين. لذا، وبناء على هذا التقرير الذي جاء به الإسرائيليون أنفسهم، فعلينا اليوم ومن باب الموضوعية أن نقر، بعدما أنكر بعضنا هذا الأمر طوال الفترة الماضية، بأن إسرائيل قد تأثرت كثيرا على إثر تلك الحرب، وأن «حزب الله»، بميليشياته البدائية في الميزان العسكري، قد استطاع أن يهز الصورة المهيبة لجيشها وآلتها السياسية والعسكرية بعنف، تلك الصورة التي عجزت الجيوش العربية طوال عقود طويلة حتى عن مسها، لكن هذا لابد أن يقودنا كذلك إلى إدراك حقيقة موازية وهي أن الدوائر الإسرائيلية وإن كانت قد منيت بالإخفاق في تلك الحرب، فإنها هي التي سعت إلى دراسة نتائجها، وهي التي ستستخلص الدروس والعبر منها حتى لا تقع في نفس الأخطاء عندما تعود.لا شك بأن إسرائيل قد تعلمت درسها الذي لقنها إياه «حزب الله»، و«فينوغراد» شاهد على ذلك، لكن هل تعلم جماعتنا الدرس يا ترى؟! لا أظن!