Ad

مقاومة الفلسطينيين الذين يريدون استعادة وطنهم وحقهم الذي تقرّه الشرعية الدولية، إنما هو إرهاب أشرار وأبالسة، وهو إرهاب مذموم ومُدان، أما بناء جدار الفصل العنصري والمستوطنات والإبادات الجماعية وإجلاء السكان من جانب إسرائيل في الضفة والقطاع، فهو إرهاب أخيار مشروع ومبرر وهو دفاع عن الوجود، أي إنه إرهاب محمود!

ساهم نكوص المجتمع الدولي من إيجاد تعريف للإرهاب في المزيد من الالتباس والإبهام، برغم وجود ما يزيد على 12 اتفاقية وتصريحا دوليا صادرة عن الأمم المتحدة منذ العام 1963 بشأن الإرهاب الدولي، إضافة إلى ثلاثة قرارات دولية صدرت عن مجلس الامن بعد أحداث 11 سبتمبر الإرهابية الإجرامية، وهي القرارات التي ستؤثر في طبع المشهد الدولي الراهن وربما لسنوات مقبلة أيضاً.

القرار الأول صدر يوم 12 سبتمبر عام 2001 وحمل رقم 1368، والثاني يوم 28 سبتمبر من العام ذاته، والثالث كان برقم 1390 بتاريخ 16 يناير 2002، أي أنه خلال أربعة أشهر، صدرت ثلاثة قرارات دولية مهمة وخطيرة، لكنها جميعاً ظلّت بعيدة عن إيجاد تعريف جامع مانع ومتفق عليه حول ماهية الإرهاب؟!

ولأن العالم لم يتفق منذ مناقشات مجلس «عصبة الأمم» عام 1937 حول تعريف الإرهاب، فقد استمرت سياسات الكيل بمكيالين والازدواجية في التعامل والانتقائية في المعايير، خصوصاً بانتهاء عهد الحرب الباردة وبغياب النظرة المشتركة القانونية الدولية لمعنى الإرهاب وأهدافه ومواصفاته وماهيته!

ولهذا السبب أيضاً، فإن بعض القوى التي تسارع الى إدانة الأعمال الإرهابية الفردية، أو التي تقوم بها جماعات مسلحة، وهو أمرٌ مشروع ومبدئي ومطلوب، إلاّ أنها تمتنع أحياناً أو تغضّ الطرف في أحيان أخرى عن إرهاب الدولة أو الإرهاب الجماعي، أو تفسره بما يتعارض مع جوهره، بما فيها احتلال الأراضي وانتهاك حقوق الشعوب في تقرير مصيرها والتجاوز على اتفاقيات جنيف لعام 1949 وملحقيها لعام 1977 وقواعد القانون الدولي الإنساني، وتجد في الكثير من الأحيان «مبررات» أو «مسوّغات» لتلك التفسيرات غير القانونية وغير الإنسانية، لكنها ترفض هذه المبررات أو المسوّغات لغيرها!

وحسب هذا المنطق: إن مقاومة الفلسطينيين الذين يريدون استعادة وطنهم وحقهم الذي تقرّه الشرعية الدولية، إنما هو إرهاب أشرار وأبالسة، وهو إرهاب مذموم ومُدان، أما بناء جدار الفصل العنصري والمستوطنات والإبادات الجماعية وإجلاء السكان من جانب إسرائيل في الضفة والقطاع، فهو إرهاب أخيار مشروع ومبرر وهو دفاع عن الوجود، أي إنه إرهاب محمود، « دفاعاً عن النفس» ضد الآخر، الفلسطيني، سواءً كان على المستوى الجماعي أو الفردي!

إن العديد من البلدان العربية والإسلامية، التي كانت ضحية الإرهاب الداخلي وأعمال التفجير وقتل السكان المدنيين بدم بارد، من مصلحتها التعاون في إطار مكافحة الإرهاب على المستويين الإقليمي والدولي، لكن ذلك ينبغي أن يعتمد أسساً وضوابط قانونية دولية وليس لحساب مصالح ضيقة أحياناً أو لأهداف ومشاريع سياسية بعيدة عن معايير العدالة الدولية.

إن التعاون السليم ينبغي أن يكون في إطار « الشرعية الدولية» ووفقاً لميثاق الأمم المتحدة وأجهزتها المتخصصة وآلياتها الخاصة وطبقاً لقواعد القانون الدولي الانساني، أما الانتقام والثأر والكيدية، فهذه ليست بقاعدة في العلاقات الدولية.

إن استمرار الزعم بوجود إرهاب أشرار مذموم ووجود إرهاب أخيار محمود، سيؤدي الى تقويض أسس وقواعد القانون الدولي المعاصر، ويجعل منطق الغاب هو الناظم للعلاقات الدولية، أي هيمنة الفوضى والعنف والقوة والارهاب، وليس مبادئ الحق والعدل وحقوق الانسان واحترام حق الدول والشعوب في تقرير مصيرها.

ولعل زعماً كهذا إنما هو وسيلة زئبقية للتملّص من الالتزامات الدولية، وبالتالي ستصبح الحرب على الإرهاب غير محددة بزمن أو بجغرافيا أو بإيديولوجيا، وقد يندرج فيها من كان ضحية الإرهاب، بما يؤدي إلى خلط الأوراق، وبالتالي خلق بيئات تغّذي الارهاب، وتمدّه بأسباب البقاء طالما تغيب العدالة، ويبتعد الحق ويتعمق التفاوت وتشتد الفوارق، وتزداد الهوة بين الحضارات والثقافات، تلك التي يشجّع عليها المتطرفون والمتعصبون والإرهابيون من كل الأجناس والأشكال والألوان والقوميات والأديان والبلدان!

إن أي عمل يستهدف السكان المدنيين الأبرياء العزّل، ومن هم خارج نطاق النزاع أو العمليات الحربية أو من المحميين في نطاق القانون الدولي الإنساني، إنما هو عمل إرهابي مهما كانت المبررات والذرائع.

الإرهاب ليس له وطن وليس له دين وليس له قومية وليس له لغة وليس له جنسية وليس له زمان، فالإرهاب هو الإرهاب مهما جرت محاولات لتجميله أو تزيينه ، فلا وجود لإرهاب أخيار أو إرهاب أشرار!

*كاتب ومفكّر عربي