Ad

إن ماجعل هذه الدولة الإسلامية الصاعدة تعيش كل هذه الأوضاع المقلقة ليس مسألة الصراع على النفوذ بين برويز مشرف والمعارضين له، ومـــن بينهم بينظير بوتو ونواز شريف فقط... فهناك من يتآمر على باكستان بهدف تحويلها إلى أفغانستان أخرى.

الهمّ الباكستاني هو همٌّ آخر أضيف إلى الهموم العربية الكثيرة، همّ فلسطين وهمّ العراق وهمّ لبنان وهمّ السودان والصومال، فهذا البلد الإسلامي الذي، إن لم يكن مجاوراً للوطن العربي فإنه يطلّ عليه من الشرق ويؤثر فيه ويتأثر به، اُبتلي منذ أن أنشأه القائد المؤسس علي جناح في عام 1947 بعد الانفصال عن هند المهاتما غاندي بسلسلة من الحروب والانقلابات العسكرية والاغتيالات التي طالت أولاً رئيس وزرائه الشهير ذو الفقار علي بوتو، ثم بعد ذلك الجنرال ضياء الحق الذي دفع حياته ثمناً لصراعات أفغانستان، وأيضاً لإصراره على إنتاج القنبلة النووية كما يقال.

أُقحمت باكستان في ثلاث حروب مع جارتها الهند كانت مكلفة جداً، خصوصاً بالنسبة لدولة ناشئة وفقيرة، وأولى هذه الحروب هي حرب عام 1947 التي اندلعت بعد الاستقلال مباشرة ثم بعد ذلك حرب عام 1965 ثم حرب عام 1971 التي أدت إلى فصل بنغلادش الحالية عن باكستان عندما كان هناك باكستان غربية هي باكستان الحالية وباكستان شرقية هي جمهورية بنغلادش القائمة الآن.

إن سبب هذه الحروب المكلفة جداً، سواء بالنسبة لباكستان أو للهند، هو إقليم كشمير ذو الأغلبية المسلمة الذي بقي على مدى أكثر من نصف قرن عامل عدم استقرار في تلك المنطقة الاستراتيجية الهامّة التي تلامس حدود الصين من جهة وتتصل بأفغانستان بكل مشاكلها وإشكالاتها الجديدة والقديمة من جهة أخرى، والذي هو بمنزلة خزان المياه الذي تنبع منه الأنهار الخمسة «بنْجْ آب» التي تعتبر مصدر الحياة بالنسبة للدولتين المتجاورتين اللتين كانتا قبل يوم قريب دولة واحدة.

لم تستقر باكستان منذ إنشائها في عام 1947 على الإطلاق، فهي بالإضافة إلى الحروب الوجودية التي خاضتها مع الدولة المجاورة الكبرى التي تشاركها، بالإضافة إلى المياه والأنهار، اللغة و«الإثنية» وتختلف معها في الدين بقيت تعيش أوضاعاً مزعزعة أدت إلى سلسلة من الانقلابات العسكرية التي، كما هو واضح، لن يكون انقلاب برويز مشرّف الذي قام به في عام 2001 والذي لايزال يفرض نفسه على الحياة السياسية في هذه الدولة، التي تعيش بحكم تداخلها الجغرافي والديموغرافي مع أفغانستان أوضاعاً في غاية الصعوبة، لن يكون انقلابه الانقلاب العسكري الأخير.

إن ما يجري في هذه الدولة الإسلامية، التي بقيت علاقاتها بحكم عوامل كثيرة مع العرب على غير ما كانت عليه العلاقات العربية مع إيران وتركيا، جاء ليضيف همّاً جديداً إلى هموم الدول العربية كلها من دون استثناء، والتي كانت قد شعرت عندما أصبحت باكستان دولة نووية بارتفاع المعنويات وشعرت بأن المسلمين أصبح لهم مكانٌ تحت الشمس وأن الإسلام بدأ يستعيد مكانته السابقة وتاريخه المـُشرِّف التليد.

وحقيقة... إن المسألة التي جعلت هذه الدولة الإسلامية الصاعدة تعيش كل هذه الأوضاع المقلقة ليست مسألة الصراع على النفوذ بين برويز مشرف والمعارضين له، ومـــن بينهم بينظير بوتو ونواز شريف فقط... إنها تتعدى هذا إلى أن هناك من يتآمر على باكستان بهدف تحويلها إلى أفغانستان أخرى، أي قبائل تتذابح على حقول إنتاج المخدرات والاتجار بها وتنظيمات إرهابية تستكمل كل التشويه الذي تعرض له الدين الإسلامي العظيم على أيدي زمر القتل والإرهاب التي في مقدمتها تنظيم «القاعدة» بقيادة أسامة بن لادن وأيمن الظواهري.

وهنا فإنه لابد من تقدير الدور الهام الذي تقوم به المملكة العربية السعودية على هذا الصعيد، وهذا يجب أن يشكل حافزاً للعرب كلهم لأن يبادروا إلى مثل هذا الدور، سواء من خلال جامعتهم ولو بصورة مباشرة وعلى غرار ما يفعله خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز.

* كاتب وسياسي أردني