الكآبة الكويتية سببها فقدان الرغبة الحقيقية (واللاواعية في أغلب الأحيان)، في الحياة لأننا لا نرى غرضاً واضحاً لوجودنا فيها. فنحن كشعب لم نضطر قط لصياغة رسالة أو هدف لوجودنا. فقد اعتدنا على التلقين والتبعية لدرجة فقدنا معها القدرة على الاستكشاف والاستجواب والتفكير النقدي.من الخطر واللامعقول الحكم على شخصية فرد ما من جنسيته أو عرقه أو عمره. ففي ذلك منزلق خطير نحو التنميط والتمييز والتعميم غير المبرر. لكن الدراسات العلمية تثبت، إحصائياً، سيادة سمات شخصية معينة ضمن بيئات معينة، خصوصا ضمن البالغين. هذا بالطبع لا يعني أن كل فرد بالغ في بيئة ما يملك تلك السمات. ولكن يعني ببساطة أن تلك السمات تميز إحصائيا هذه البيئة عن غيرها. وهذه السمات قد تكون ايجابية مثل التفاؤل، روح الدعابة، الانفتاح، أو الحس التجاري. وقد تكون سلبية مثل الكآبة أو سرعة الغضب، والانغلاق أو الكسل. وبعض تلك السمات قد تكون موروثة «جينياً»، ولكنها في الغالب نتاج التنشئة البيئية.
وإحدى السمات الواضحة للشخصية الكويتية، في رأيي، هي الكآبة والرفض الواعي وغير الواعي للاستمتاع الحقيقي بالحياة. انظر حولك في الأسواق والمطاعم، حيث يخرج الناس عادة للترويح. كم من البالغين يبتسم أو يضحك أو يتحدث بشغف مع زوجه أو أولاده؟ كم منا يخرج من منزله بغرض المرح، وليس الأكل أو التبضع أو أداء واجب اجتماعي؟ هل جربت يوما الابتسام بوجه غريب يعترض طريقك؟ رد الفعل المعتاد، هو الريبة وأحيانا الاشمئزاز! ما هو رد الفعل الدارج عندما يعلو صوت مجموعة ما بالضحك في مطعم أو دار السينما؟ الاستهجان في أفضل الأحوال! ولا أود أد أذكر أحدا بدرجة الكآبة داخل البيوت وعلى مائدة الطعام وأمام التلفاز.وحتى على الصعيد السياسي، كم من النقاشات تدور في أروقة مجلس الأمة حول منع حفلات أو أغان أو أفلام أو أي شكل من أشكال الترويح المتعارف عليها. وكم من هذه النقاشات بالمقابل حول بناء شخصية سوية؟ أو رفع الضغوط النفسية عن المواطن بالوسائل غير المادية؟وحاولت كثيرا فهم سبب هذه «الكآبة» الطاغية والرفض المتزمت لكل أشكال الفرح. فهل هو الجو الحار؟ ولكن أليس هو نفس الجو الذي يؤثر في البحرينيين والإماراتيين؟ هل مناخ الكويت فعلا أسوأ من مناخ تكساس أو أريزونا في الولايات المتحدة؟ لا أعتقد أنه المناخ لأن هنالك من يعيش في ظروف مناخية أسوأ ومازال يجد متعة في الحياة. هل هي الأجواء السياسية وعدم الشعور بالأمان أو الاستقرار؟ هل فعلا أوضاعنا السياسية أسوأ من أوضاع اللبنانيين - على سبيل المثال وليس الحصر؟ كيف يجد اللبنانيون (باختلاف طوائفهم وطبقاتهم) وقتاً للمرح والسهر والاستمتاع بالحياة أثناء، وبرغم العدوان الإسرائيلي، ويحافظون على تفاؤلهم وحبهم للحياة برغم كل ما مروا به من مآس؟ لماذا لم يفقد العراقيون شغفهم بالحياة والعشق والحب برغم التاريخ المديد من العنف والصراعات والاضطهاد؟ هل هو غلاء المعيشة وسوء الأوضاع الاجتماعية؟ أنحن فعلا في أوضاع أصعب من البحرين؟ لماذا يجد المصريون في أوضاعهم الاقتصادية مادة للسخرية والضحك في حين نبحث نحن عن سبب للاكتئاب؟ هل الاكتئاب وراثة؟ قد يكون للمرء استعداد وراثي للاكتئاب، ولكن ذلك لا ينطبق على شعوب مختلطة الأنساب والأعراق إذا لا يوجد ما يجمع تلك الشعوب جينيا. في رأيي أن الكآبة الكويتية سببها فقدان الرغبة الحقيقية (واللاواعية في أغلب الأحيان)، في الحياة لأننا لا نرى غرضاً واضحاً لوجودنا فيها. فنحن كشعب لم نضطر قط لصياغة رسالة أو هدف لوجودنا. فقد اعتدنا على التلقين والتبعية لدرجة فقدنا معها القدرة على الاستكشاف والاستجواب والتفكير النقدي. فلم يعد لنا فلسفة للحياة ولم نأخذ الوقت اللازم لتحديد معنى لوجودنا. فان لم يكن هناك معنى لوجودنا فلم نعيش؟
مقالات
الشخصية الكويتية (1)
05-06-2007