Ad

كنت دائما على قناعة تامة، بأن الحكومة أبخص وأفهم وأدرى بمصلحة شعبها، ولما تصرح بشيء، فعلى الكل أن يستمع إلى حقائقها الدامغة الواضحة، ولا يشكك في حرف مما تقول، وأصلا من قلة الأدب وسوء التربية ألا يصدق المرء حكومته، خصوصا إن كان «عربيا خالصا».

طول عمري وأنا مواطن «عربي» أصيل، أحب حكومتي وأموت فيها، وأصدق كل ما تصرح به «مصادرها المسؤولة» سواء كان كلامهم منطقياً أم لا، وأدعو الجميع «بذمة وضمير» أن يصدقوها مثلي، لأنني كنت دائما على قناعة تامة، بأن الحكومة أبخص وأفهم وأدرى بمصلحة شعبها «مش حكومة... خلاااص»!

ولما تصرح الحكومة بشيء، فعلى الكل أن يستمع إلى حقائقها الدامغة الواضحة، ولا يشكك في حرف مما تقول، وأصلا من قلة الأدب وسوء التربية ألا يصدق المرء حكومته، خصوصا إن كان «عربيا خالصا»، وأنا إنسان «عربي» حسن التربية والأدب ولا أفعل ذلك أبداً!

ولذلك كله فقد صدقت بكل براءة الحكومة حين قالت إن زيادة الخمسين دينارا، سيكون ضررها «كبيراً» على الأجيال القادمة، لأن تكلفتها تتجاوز الـ400 مليون دينار سنويا، وستشكل إن أقرت «إرهاقا» للميزانية العامة المرهقة أصلا، وقد تعاطفت مع ميزانيتنا العامة «الفقيرة المسكينة»، وأشفقت عليها أيما إشفاق، فهي التي «يا عيني عليها» تشعر بإرهاق دائم لا ينتهي، وقلت في نفسي ولنفسي، «سلامتها يا رب ألف سلامة، وما تشوف شر، و إن شاء الله اللي يكرهونها يااا رب»!

وقد كان هذا موقفي دائماً مع حكومتي الغالية، مع أن الشيطان شاطر كما تعرفون، فهو يوسوس في صدور الناس دائما، وقد حاول كثيراً أن يغير نظرتي نحو حكومتي العزيزة، لكن أبدا وحياتكم «بعيدة عن شواربه»، لأنني عاهدت نفسي أن أبقى وفياً للحكومة أبد الدهر كالعهد بي دوما، لا يتزعزع إيماني بها، وبما تقول!

لكن للأسف... لقد وجد إبليس اللعين فرصته أخيراً، وشكّكني بصدق الحكومة، حين ظهر لي البارحة على هيئة (أبو ياسين)، ذلك العجوز الذي قارب الثمانين من عمره، الرجل «التحفة» بالمعنى اللفظي والمجازي للكلمة، فهو خفيف الدم سليط اللسان طيب القلب، وحديثه مزيج من الحكمة والخرافة، والدهاء والسذاجة بنفس الوقت، وقد اعتدت منذ زمن طويل أن أمر عليه ببقالته الصغيرة القديمة!

بادرني بلهجته الريفية المحببة: «شو طارت الخمسين دينار خلاااص، ولا بدها تعطيكم الحكومة» قلت له بثقة: «لا لا يا بو ياسين، الحكومة تقول إن تكلفتها كبيرة وراح ترهق الميزانية» فرد هازئا: «يا عمي شو ترهق وما بترهق، إيه لا بترهق ولا بطيخ» قلت له: «ما يصير يا بو ياسين، الحكومة حاسبتها بالفلس، والحكومة أدرى بحساباتها» نظر إليّ طويلا ثم قال: «تعا سيدي نحسبها سوا، هسع انتو عندكو الميزانية فايضة صار إلها خمس سنين، قول كل سنة بتفيض 10 مليارات، هي صاروا خمسين مليار، والنفط سعره هسع 100 دولار، وإذا بدو ينزل زي زمان لـ 15 دولار، بدو خمس سنين كمان، يعني خمسين مليار فايض كمان، هي صاروا 100 مليار فايض عندكو، يعني لو رميتوها بالبنوك بتحصلوا فايدة 10 مليارات كل سنة، إيه هسع شو الضرر إن وزعوا عليكو مليار ولا اثنين كل سنة؟!».

صحيح... شو الضرر؟! ثم اقترب مني قليلا، وعيناه تلمعان وقال جادا: «إيه والله إذا بيعطوني هال 100 مليار، لأطلعلهن أرباح سنوي ما بتقلش عن %30» فقلت له بقلب صادق: بو ياسين ما أعتقد يوافقون، انسَ الموضوع، بس بصراحة طلعت عقلية فذة يا بو ياسين! ثم مازحته: شو رأيك ترشح نفسك لمجلس الأمة؟

بدا وكأن الفكرة قد راقت له تماما فقد ابتسم قليلا، لكن سرعان ما «اعتفست» ملامح وجهه وقال: «إيه لا، شو بدي بهالصرعة، كل يوم جلسة ومعاملة وروح وتعا» قلت له: وأين المشكلة؟ فصرخ بوجهي: «إيه... ومين بدو يقعد بالدكان مكاني؟!!».

فعلاً مشكلة كبيرة... مين بدو يقعد بالدكان مكان أبو ياسين؟! عموماً لا جديد في الأمر فهذا أبو ياسين منذ عرفته، يبدأ بالحديث جيداً ثم سرعان ما «يخورها»، ومثله كثير!!