حين قابلت زينب عساف لأول مرة، في معرض الكويت للكتاب، في شهر نوفمبر من السنة الفائتة، وبعد تبادلنا التحايا، سألتها «أنت في الكويت، زيارة أم عمل؟».
أجابتني في حينها، وابتسامة حيية على وجهها «عمل». لحظتها شعرت بالفرح، ومرَّ أمامي شريط خاطف لأسماء وأقلام عربية مبدعة ومهمة، وضعت رحالها في ضيافة الصحافة الكويتية، فأثرت المشهد الصحافي والثقافي والأدبي والفني، وتركت وراءها ذكرى عطرة، وعرفاناً وصداقات إنسانية باقية. زينب عساف، كان لقاؤها الأول مع جمهور الشعر في الكويت، مساء الأربعاء الماضي، من خلال أمسية شعرية مشتركة نظمتها رابطة الأدباء، وإذا كان حضورها الأول جاء حيياً كابتسامتها، فإنها وبعد انتهاء الأمسية، وحين صافحتها، أشد على يدها لمشاركتها الرقيقة، مدت نحوي جريدة مطوية، وهمست «الغاوون، جريدة للشعر». أن يتفق أصدقاء على مشروع إصدار جريدة عن الشعر في بيروت اليوم، ضمن حالها السياسي والاجتماعي المحتقن، فهذا أمر يدعو الى الدهشة والتعجب والإعجاب. يدعو الى الدهشة لأنه ينطوي على قدر كبير، وقد يكون مجنوناً، من الإيمان بالشعر منقذاً ومضمداً للجراح. ويدعو للتعجب، لأن الحروب والمرارات والمواجع، وبالرغم من قسوتها وخراباتها لم تستطع أن تشوه أرواحا ناصعة ومحبة للحياة الجميلة، وأخيراً يدعو الى الإعجاب بأناس يرتقون فوق آلامهم الشخصية، ويضيئون شمعة في ليل العتمة العربي. جريدة «الغاوون»، وكما جاء في ترويستها: شعرية تصدر كل شهر، ويرأس تحريرها كل من: زينب عساف وماهر شرف الدين، هي مشروع أدبي، أقل ما يمكن أن يقال عنه إنه مغامرة، لكنها مغامرة جميلة، مغامرة بقدر ما هي محفوفة بالترقب، بقدر انفتاحها على مغامرات إبداعية جديدة، ومشاركات شعرية خاصة، وهي من خلال إصدارها الأول، جاءت بعيدة عن التكلف، وأقرب إلى البساطة المدروسة، بساطة السهل الممتنع، حاملة رشاقة أدبية واضحة. سواء على مستوى المواضيع، أو على مستوى الإخراج الفني. «الغاوون» جريدة يدل عددها الأول على إمكانية الرهان عليها، الرهان بأن تكون جريدة مختلفة. فجرائد ومجلات أدبية كثيرة ولدت متورمة بثقة زائفة، وما لبثت أن خمدت كجثة لفظها البحر، لكن «الغاوون» ولدت برقة ونعومة المولود الأول، ولدت تعلن عن نفسها كمولود يتمنى أن يحبو قبل أن يمشي، ويمشي قبل أن يركض، ويركض لحظة يقوى على تحمل تعب الركض، ولحظتها، تكون قد ضمنت لنفسها مكانة تؤهلها للنهوض بمشروع شعري مبدع. أقول ذلك لأنني أؤمن بأن المشاريع الكبيرة وحدها، تحتاج الى الزمن رهاناً هادئاً وأكيداً يدلل على صدقها وأحقيتها بالوجود. إننا في العالم العربي نعيش عصراً من الخراب يمس كل زوايا الأمل في نفوسنا. لذا ما عاد لنا إلا التمسك بالفن المبدع، مسعى يعيد لأرواحنا لهفتها على الحياة، ويرسم أمامنا مسالك للفرح والأمل. للغاوون على امتداد رقعة العالم ألف تحية عطرة، فشرارة قلوبهم تمسنا، ومعهم نشعر أننا نطير..
توابل - ثقافات
الغاوون ... شرارة الضوء الأجمل!
18-03-2008