Ad

إن الرئيس حسني مبارك قال ما قاله من تصريحات لاذعة ليعرف من يريد أن يعرف أنه إذا لم تنجح المبادرة العربية فإنه يتوقع موقفاً خطيراً جدّاً بالنسبة للبنان والمحيطين به والمنطقة بصفة عامة... وهنا فإن المؤكد أن المحيطين بهذا البلد المُبتلى بموقعه الجغرافي يعرفون أنفسهم ويعرفون أن رئيس مصر يقصدهم تحديداً ولا يقصد غيرهم!!

لم يقل الرئيس حسني مبارك: «إذا لم تكن المبادرة التي أقرتها الدول العربية بلا استثناء ستسير فأعتقد أن كل واحدٍ سينفض يده عن لبنان ويمكن أن يضيع هذا البلد ولا يدري أحد كيف سيكون مستقبله». إلاَّ لأن كيله قد طفح وإلاَّ لأنه أدرك أن التوقيع على هذه المبادرة من قبل بعض الذين وقعوا عليها كان في أحسن الأحوال من قبيل المجاملة ومماشاة الركب السائر، أما في أسوأ الأحوال فإنه كان من قبيل الضحك على الذقون والألاعيب السياسية والمناورات.

لقد ذهب أمين عام الجامعة العربية إلى بيروت وهو يكاد يطير فرحاً، وعاد منها مهيض الجناح والإحباط بادٍ على كل حركة من حركاته فما وجده أمامه، بعد أن جاء هاشاً باشاً إلى العاصمة اللبنانية وفي جيبه الوصفة السحرية التي جرى اختراعها في ذلك الاجتماع الذي عقده عدد من وزراء الخارجية العرب في منزله في القاهرة، يختلف تماماً عما كان يحمله في حقيبته الدبلوماسية التي طالما طارت معه إلى عواصم قريبة وبعيدة.

كان عمرو موسى يعتقد أن العقد اللبنانية ستركع عند قدميه بمجرد أن تطأ قدماه تراب بيروت، فبما أن العرب كلهم قد وقعوا على مبادرة الجامعة العربية التي جاء بها إلى لبنان بسرعة وهو يضع في رقبتها خرزة زرقاء فإن نجاحه غدا مؤكداً، وبما أن إيران وسورية قد باركتا هذا الاتفاق الذي أصرت دمشق على أنه «بيان» وليس «مبادرة» فإن حسن نصرالله سيكون في انتظاره في مطار رفيق الحريري ليرحب به وبما يحمله.

لكن «حسابات البيدر لم تُطابق حسابات الحقل» فالجهة المعنية التي هي تحالف المعارضة بقيادة «حزب الله» وتمويله استقبلت الأمين العام وكأن كلمة سرٍّ قد وصلتها قبل أن يصل هو إلى مطار بيروت، وكأن التعليمات التي تضمنتها كلمة السرِّ هذه كانت شديدة وحازمة إلى حد أن عمرو موسى لم يحصل لا من حسن نصرالله ولا من الجنرال ميشال عون، الذي غدا مجرد دمية في يد حسن نصرالله، ولو على مجرد إشارة تعزز تفاؤله بأن مهمته ستكون ناجحة.

وهكذا فإنه في الحالة المأساوية التي عاد بها وهذا هو الذي جعل الرئيس مبارك، الذي يعتبر عمرو موسى موفداً له رغم أن هذا الأخير ذهب إلى بيروت كأمين عام للجامعة العربية، يطلق التهديدات التي أطلقها والتي ينطبق عليها ذلك المثل القائل: «إياك أعني واسمعي يا جارة» فهو وجّه التهديدات التي وجّهها إلى الأطراف اللبنانية المتصارعة لكنه في حقيقة الأمر كان يقصد أصحاب الأذرع الطويلة الذين مدوا أيديهم من الخارج لتعبث في لبنان كل هذا العبث ولتوصله إلى هذه المأساة التي وصل إليها.

إن هذا هو بيت القصيد في تصريحات الرئيس مبارك، فهو قال ما قاله ليعرف من يريد أن يعرف أنه إذا لم تنجح المبادرة العربية فإنني أتوقع موقفاً خطيراً جدّاً بالنسبة للبنان والمحيطين به والمنطقة بصفة عامة... وهنا فإن المؤكد أن المحيطين بهذا البلد المُبتلى بموقعه الجغرافي يعرفون أنفسهم ويعرفون أن رئيس مصر يقصدهم تحديداً ولا يقصد غيرهم!!

والسؤال هو بعد هذه التطورات كلها: هل سيَبُر عمرو موسى بالوعد الذي قطعه على نفسه ويعود غداً إلى بيروت ومعه خاتم سليمان لينجح هذه المرة بعد أن فشل في المرة السابقة والمرات التي سبقتها؟!

الجواب بنعم غير مضمون، فكرة الثلج التي تدحرجت من فوق قمة الأزمة اللبنانية المستعصية على الحل تضاعف حجمها عشرات المرات، وهذا يعني أنه لو عاد الأمين العام إلى بيروت ومعه هذه المرة كل وزراء الخارجية العرب، وعلى رأسهم وليد المعلم فإنه لن ينجز ما فشل في إنجازه في المرة السابقة.

* كاتب وسياسي أردني