غير جائز على الإطلاق أن يضع الرئيس نجاد بلده ويضع دول الجوار والمنطقة كلها أمام خيارين هما: إما أن تمتلك إيران السلاح النووي وتفرض نفسها كدولة هي «الآمر الناهي» في هذه المنطقة كلها وإمَّا «عليَّ وعلى غيري» وليذهب الجميع إلى الجحيم.لا يحق للرئيس محمود أحمدي نجاد أن يقامر كل هذه المقامرة بأمن واستقرار هذه المنطقة وهو لا يجوز له أن يلعب لعبة «الروليت» الروسية هذه التي يلعبها في منطقة هي ملتهبة أصلاً ومعرضة للانفجار في أي لحظة والهواجس التي تضمنها حديث سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح لفضائية «العربية» بهذا الخصوص يعبر عن هواجس العرب كلهم وبخاصة عرب الخليج العربي الذين يمضون أوقاتهم وأيديهم على قلوبهم.
ربما من حق الرئيس نجَّاد المقامرة باستقرار أمن الشعب الإيراني (الشقيق)، الذي لا يستحق إلا الخير والذي هو بأمس الحاجة إلى الأمن وبأمس الحاجة إلى تجنب الحروب المتهورة التي جرَّبها وذاق مـرارتها خلال حرب الثمانية أعوام مع العراق في عهد نظام صدام حسين غير الميمون، لكنه ليس من حقه أن «يركب رأسه» وأن يمضي في هذا الطريق الخطير الذي يمضي عليه ويعرض هذه المنطقة كلها إلى أخطار وكوارث فعلية.
إنه غير جائز على الإطلاق أن يضع الرئيس نجاد بلده ويضع دول الجوار والمنطقة كلها أمام خيارين هما: إما أن تمتلك إيران السلاح النووي وتفرض نفسها كدولة هي «الآمر الناهي» في هذه المنطقة كلها وإمَّا «عليَّ وعلى غيري» وليذهب الجميع إلى الجحيم، وهذه سياسة أقل ما يمكن أن يقال فيها أنها مُغامرةٌ وغير محسوبة العواقب وأنها في النهاية سترتد على أصحابها وعلى غرار ما دفعته ألمانيا من أثمان باهظة لقاء المغامرات الهتلرية.
إن ما قاله الشيخ صباح لفضائية «العربية»، قبل أيام، هو بمنزلة دق ناقوس خطر؛ على القادة العرب، بل على قادة دول هذه المنطقة كلها، حتى بما في ذلك تركيا وباكستان والهند، أن يتوقفوا عنده مليـّاً، وأن يأخذوه بمنتهى الجدية فالسفينة إن هي غرقت فإن ركابها كلهم سيغرقون لا محالة، ولهذا فإنه لا بد من تحرك موحد سريع فعملية العدّ العكسي قد بدأت فعلاً، وهذا الذي يجري خلف «الكواليس» وأمامها لا يمكن أن يكون مجرد ألاعيب ومناورات سياسية بين الرئيس محمود أحمدي نجَّاد وخصمه اللدود جورج بوش الذي هو من «طينته» وعلى شاكلته!
والغريب أن طهران تتعامل مع هذا الوضع الخطير، الذي أوصل المنطقة إلى حافة الهاوية، وكأنها تختطف طائرة أو باخرة وتساوم عليها، فوزير الخارجية الإيراني قال في تصريحات أطلقها خلال زيارة لمقر الأمم المتحدة قبل يومين «إن تورُّط أميركا في العراق وأفغانستان يجعل من الصعب عليها شن هجوم على إيران»... وهذه مراهنة غير مضمونة العواقب، وبخاصة أن جورج بوش والمتحلقين حوله في الإدارة الأميركية يتصرفون بعقلية الـ «كاوبوي»، والمعروف عنهم أنهم يتعاملون مع الأزمات الطاحنة بطريقة «وداوني بالتي كانت هي الداء»!
إن على إيران ألا تراهن كثيراً على تنظيرات منوشهر متكي هذه، المستندة إلى قناعات محمود أحمدي نجاد بالتأكيد، فتورط الولايات المتحدة في العراق وفي أفغانستان ربما هو الذي سيدفعها إلى مغامرة جديدة أكثر تهوُّراً وخطورة من كل المغامرات السابقة. فدولة على رأسها جورج بوش ومعه هذه المجموعة، التي تعتقد أن أفضل الحلول للأزمات المتفاقمة هو حل المدافع والصواريخ والرؤوس الذرية التكتيكية، غير مستبعدٍ أن تلجأ إلى أسلوب المقامر الخاسر الذي إن هو أحس بخسارته فإنه لا يتورع عن وضع كل ما في جيوبه على الطاولة.
ليس في مصلحة إيران، التي هي أيضاً بحاجـــة إلى الاستقرار والهدوء وإلى توظيف كل «تومان» في التنمية، أن تَتبْع أصحاب الرؤوس الحامية الذين قادوها إلى كل هذه المغامرات التي بدأت برفع شعار «تصدير الثورة» والتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة مثل العراق وأفغانستان والدول المجاورة للدول المجاورة مثل لبنان وفلسطين واليمن والتي انتهت إلى لعبة السعي إلى امتلاك الأسلحة النووية ووضع هذه المنطقة كلها، كما هو حــاصل الآن، على حافة الهاوية!
* كاتب وسياسي أردني