أهذه نهاية المصارف؟

نشر في 24-04-2008
آخر تحديث 24-04-2008 | 00:00
ماذا كنا نتوقع من البنوك حين تجد أنها تستطيع بدلاً من حفظ قروض الرهن العقاري الثانوي في دفاترها ومراقبة أدائها وفرض المتطلبات المالية عليها، أن تحولها إلى سندات (وذلك لأنها تدرك أن وكالات التقييم لها مصلحة في القيام بهذا الدور)، وأن تتجنب متطلبات رأس المال، وأن تحقق المزيد من الأرباح نتيجة لعدم خبرة المستثمرين في التعامل مع مثل هذه المنتجات؟
 بروجيكت سنديكيت هل أصبحت المصارف والبنوك محكوماً عليها بالهلاك كنتيجة للأزمة المالية الحالية؟ في مبدأ الأمر اعتبر المراقبون تحويل قروض الرهن العقاري إلى سندات بمنزلة انتصار عظيم، لأن المجازفة تحولت بذلك إلى أسواق المال، بينما كان استقبال الودائع ومنح ومراقبة القروض- أو النطاق التقليدي للأنشطة التي تقوم بها البنوك- يُـنظَر إليه باعتباره نطاق عمل ضيقاً وعتيقاً. وفي المقابل، يفترض في البنوك الحديثة أن تسعى إلى التمويل في الأساس في سوق الإنتربنك وأن تعمل على تحويل قروضها إلى سندات.

ومثل هذه البنوك محصنة نظرياً ضد السحب الجماعي للودائع، لأن سوق الإنتربنك من المفترض أن يعمل بأقصى درجة من الكفاءة، هذا فضلاً عن تحويل المجازفة إلى المستثمرين الراغبين في تحملها. ومن الممكن أن تحل الصناديق المشتركة محل الودائع، وهذه الصناديق كما نعرف محصنة أيضاً ضد السحب الجماعي للودائع، هذا فضلاً عن إمكانية التقييم الدقيق لعامل المجازفة المترتبة على أدوات الاستثمار المركبة بالاستعانة بوكالات التقييم. وهذا النوع من الهندسة المالية قادر على تجنب متطلبات رأس المال العتيقة التي تشكل عبئاً على كاهل العمليات المصرفية.

لقد وأدت الأزمة المالية الحالية هذا السيناريو المتفائل في مهده. فقد قاربت سوق الإنتربنك على الانهيار نتيجة لعدم ثقة البنوك في بعضها بعض على النحو نفسه الذي يدفعنا إلى عدم الثقة في بائع متلهف إلى بيع سيارة مستعملة.

إنه لفشل نموذجي للسوق في واقع الأمر. إذ أن أصل المشكلة يكمن في عدم اليقين بشأن تعامل البنوك في قروض الرهن العقاري الثانوي، والتي تم تقييم المجازفة المرتبطة بها على نحو يتسم بالإهمال من جانب وكالات التقييم نتيجة لتضارب المصالح. وكان بنك «نورثرن روك» في المملكة المتحدة ضحية لهذه الاستراتيجية المصرفية الحديثة، كما كان بنك «بير شتيرنز» في الولايات المتحدة أيضاً ضحية لها. وقد يتوالى وقوع الضحايا في القريب العاجل.

فضلاً عما سبق فقد أدركت المؤسسات التي تصورت أنها نجحت في تحويل المجازفة إلى السوق أن فشل أدوات الاستثمار المركبة المكفولة من شأنه أن يدمر سمعتها على نحو غير قابل للإصلاح. وهذا يعني ضمناً أن هذا المؤسسات كانت ملزمة بمحاولة إنقاذ أدوات الاستثمار المركبة هذه. إلا أنها للأسف فشلت في ادخار القدر الكافي من رأس المال للتعامل مع هذا الطارئ غير المتوقع، وكان لزاماً على المستثمرين الخارجيين، متمثلين في صناديق الثروة السيادية في الصين، وسنغافورة، والشرق الأوسط، أن يسارعوا إلى الإنقاذ.

وأخيراً، أصبحت الصناديق المشتركة عرضة للخطر أيضاً، وذلك لأن استثماراتها الآمنة المزعومة باتت عرضة للفساد، بعد أن أصبحت الضمانات التي تدعمها تبدو مزعزعة. إن عدوى الرهن العقاري الثانوي لصناديق أسواق المال قد تكون شديدة الخطورة، وقد تكون العواقب المترتبة عليها أبعد وأشد خطراً مما شهدناه حتى الآن. وقد يتبين لنا في النهاية أن مسألة تحويل المجازفة لم تكن أكثر من مجرد سراب.

ولكن من يتحمل المسؤولية هنا، أهي البنوك أم الأسواق أم الأجهزة التنظيمية؟ قد يكون في الإجابة على هذا التساؤل المؤشر إلى المستقبل الذي ينتظر البنوك. كانت بعض الأجهزة التنظيمية فاقدة للشعور بالمسؤولية حين عجزت عن توقع السلوكيات الرامية إلى تعظيم الربح من جانب المؤسسات في ظل ميثاق المسؤولية القانونية المحدودة، وفي ظل حماية المسؤولين التنفيذيين فعلياً من العواقب المترتبة على الفشل.

وماذا كنا نتوقع من البنوك حين تجد أنها تستطيع بدلاً من حفظ قروض الرهن العقاري الثانوي في دفاترها ومراقبة أدائها وفرض المتطلبات المالية عليها، أن تحولها إلى سندات (وذلك لأنها تدرك أن وكالات التقييم لها مصلحة في القيام بهذا الدور)، وأن تتجنب متطلبات رأس المال، وأن تحقق المزيد من الأرباح نتيجة لعدم خبرة المستثمرين في التعامل مع مثل هذه المنتجات؟ وحتى إذا ما ساءت الأمور وتعرضت موازنة البنوك للخطر، فإن المسؤولين التنفيذيين كانوا يدركون أن مكافآتهم ومعاشاتهم التقاعدية السخية ليس من المرجح أن تتعرض للخطر. نظراً لكل ما سبق، فقد كان لزاماً على الجهات التنظيمية أن تفكر بروية قبل أن تسمح بإجراء عمليات خارج دفاتر الموازنة ومن دون أي شروط مسبقة.

إن السؤال المطروح اليوم هو: «مَن يتولى مراقبة القروض غير الشفافة، سواء كانت قروض الرهن العقاري الثانوي أو غيرها؟». تقليدياً، كنا قد نجيب على هذا التساؤل قائلين: «البنوك»؛ إلا أن هذا السؤال يظل بلا إجابة في عالم السندات.

ولكن هل يوجد بديل للمراقبة التقليدية من جانب البنوك للقروض؟

لو كانت أسعار هذه الحزم الاستثمارية في هيئة سندات قد خضعت للتقييم اللائق، فلربما كانت المؤسسات المصدرة لها لتلتزم بالاحتفاظ بحصة منها لكي تؤكد للسوق أن عامل المجازفة تحت السيطرة. ومن الواضح أن فكرة عدم احتياج البنوك إلى فرض شروط خاصة على رأس المال فيما يتصل بأنشطتها التي تتم خارج دفاتر الموازنة، كانت بعيدة تمام البعد عن الصواب (وذلك لأن البنوك لم تكن تتحمل المجازفة).

إن فرض التنظيمات المناسبة- بما في ذلك تنظيم وكالات التقييم والتسعير- من شأنها أن تعيد الشعبية إلى البنوك التقليدية. وقد تساهم إعادة النظر في ميثاق المسؤولية القانونية المحدودة للبنوك في استعادتها لمصداقيتها أيضاً.

والمبدأ هنا بسيط: فحين تكون المجازفة مرتبطة بأموالك أنت، فلابد أن يدفعك هذا إلى المزيد من الحرص. ولكن حين يصبح بوسعك أن تلعب بأموال الآخرين، وحين تنتظر المكافأة السخية في حالة النجاح، وحين لا تتعرض للعقاب في حالة الفشل، فلابد أن يحرضك ذلك كله على خوض المجازفات الهائلة على نحو يفتقد الشعور بالمسؤولية.

* خافيير فايفس، أستاذ علوم الاقتصاد والتمويل بكلية IESE للتجارة، ومؤلف كتاب «المعلومات والتعلم في الأسواق».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top