على المسار الصحيح في جنوب العراق
حملت الأسابيع الأخيرة الكثير من الانتقاد الذي كان في غير محله، وطال الدور الذي تلعبه المملكة المتحدة في جنوب العراق، وقد آن الأوان لتصحيح المعلومات المغلوطة. إن السؤال الذي سأله بعضهم هو: هل أخفقت القوات البريطانية في مهمتها في البصرة؟ والجواب هو كلا بالطبع.- وجود القوات المتعددة الجنسيات بتكليف من الأمم المتحدة
بعد إطاحة نظام صدام حسين، أدرك المجتمع الدولي، من خلال سلسلة قرارات مجلس الأمن، مدى الحاجة إلى مساعدة الشعب العراقي في بناء مستقبل أفضل لأنفسهم. ويعلم المواطنون من دول التحالف جميعها مدى التضحيات التي يقدمها أفراد قواتنا المسلحة. وقامت الولايات المتحدة وبريطانيا -وغيرهما من الدول التي تتألف منها القوات المتعددة الجنسيات المكلفة من قبل الأمم المتحدة في العراق- بتولي مهام المساعدة في توفير الأمن لحين انتخاب حكومة عراقية ممثلة لفئات الشعب العراقي جميعها، وبموجب دستور جديد وديموقراطي. وتعهدنا بمساعدة العراقيين في تطوير دولة فاعلة لديها قوات مسلحة وقوات شرطة وغير ذلك من المؤسسات القادرة على توفير الأمن للشعب.كما وعدنا، بعد قيامنا بذلك، بأننا سوف نسلم المسؤوليات الأمنية الكاملة بشكل فوري إلى السلطات العراقية الشرعية المنتخبة.لقد كُتب الكثير خلال الأسابيع الأخيرة عن الظروف السائدة في جنوب العراق، وخصوصا بشأن التحديات الكبيرة التي ما زالت البصرة تواجهها. هذه التحديات هي تحديات حقيقية ومتعددة الجوانب وتمتد جذورها عميقاً. وقد استمرت القوات البريطانية في توفير الأمن بشكل عام، ودعم القدرات للرد على الميليشيات. وما زلنا نلعب دوراً أساسياً في جنوب العراق، ونساهم في تأمين طرق الإمدادات الموصلة إلى بغداد، وتدريب وإرشاد قوات الأمن العراقية، وبناء قدرات قوات الحدود العراقية. وقد قمنا بشكل خاص بتدريب فرقة من الجيش العراقي (قوامها يربو على 13000 رجل) والتي ما برحت تزداد قدراتها بشكل مطرد، وساهمت خلال العام الجاري مساهمة كبيرة في الجهود الرامية إلى تحسين الظروف الأمنية.كما ساعد فريق إعادة الإعمار في محافظة البصرة، بقيادة المملكة المتحدة، في بناء قدرات مجلس محافظة البصرة ليؤدي أعماله بكفاءة. وساعدنا في إصلاح البنية التحتية المهمة، وتوفير الوظائف للمواطنين، بما في ذلك إعادة إحياء زراعة النخيل التاريخية. ويتوقع القادة العسكريون على الأرض أن تكون هذه المحافظة جاهزة في غضون شهور، لا سنوات، لكي يتم تحويلها إلى السيطرة الأمنية العراقية بالكامل. وكما هي الحال بالنسبة إلى كل من المحافظات السبع التي تم بالفعل تحويلها لتكون تحت السيطرة العراقية -كانت أربعا منها في مناطق عراقية خاضعة في ما سبق لسيطرة القوات الأميركية، وثلاثا في الجنوب في المناطق التي تقع في نطاق العمليات التي تقودها المملكة المتحدة- وسوف تتخذ الحكومة العراقية القرار النهائي، بالتشاور مع قائد القوات المتعددة الجنسيات الأميركي، بناء على الظروف على أرض الواقع.- مهمة على المدى الطويل أمام المجتمع الدولي كله أدت عقود من سوء الحكم والإهمال المتعمد والقمع الوحشي إبان حكم صدام حسين، إلى ترك آثارها من المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تستغرق سنوات عديدة من الجهود الصبورة للتغلب عليها. ليس هناك عمليات تمرد ضد الحكومة، وليس هناك دليل يذكر على وجود أفراد تابعين لـ«القاعدة» في جنوب العراق الذي يتألف %90 من سكانه من الشيعة. لكن هناك تنافساً سياسياً قوياً منذ زمن بعيد بين الحركات الشيعية المختلفة، الذي عادة ما يتحول إلى أعمال عنف. إن ادراك أنه ما زال هناك مثل هذه التحديات لا يعني قبولنا بالقول إن مهمتنا في جنوب العراق تواجه الفشل. كان هدفنا تطوير القوات والمؤسسات العراقية لتصبح على درجة تؤهلها لتولي مسؤولية السكان المحليين. ليس من الممكن في غضون أربع سنوات في العراق خلق الديموقراطية والإدارة الحكومية والأمن الذين استغرقت كل من بريطانيا العظمى والولايات المتحدة قروناً طويلة لتأسيسها. تلك هي المهمة الموضوعة أمام المجتمع الدولي على المدى الطويل ليقوم بها.في المحافظات الجنوبية التي تحولت المسؤوليات الأمنية فيها إلى السيطرة العراقية، استجابت السلطات السياسية والأمنية بكل شدة لعمليات الترهيب والعنف الأخيرة التي وقعت بها. وقد نما شأنهم وثقتهم بأنفسهم بشكل كان من المستحيل تحقيقه بينما كنا نتولى السيطرة في تلك المحافظات.- الالتزام تجاه العراقنؤمن بأننا ما زلنا ماضين على المسار الصحيح لإتمام إعادة السيادة الكاملة للشعب العراقي، كما هو مخطط له، تلتزم المملكة المتحدة بالمهمة التي توليناها منذ أربع سنوات، لكن التزامنا تجاه العراق لن ينتهي مع إتمام تحرك قواتنا وتحويل المهام الأمنية في البصرة إلى العراقيين. ويتعين على المجتمع الدولي الاستمرار في تقديم الدعم إلى العراق فترة طويلة مقبلة، حتى ولو تغير شكل هذا الدعم مع مرور الزمن. لقد قال رئيس الوزراء غوردن براون إننا سوف ننجز التزاماتنا تجاه الشعب العراقي وأمام المجتمع الدولي. لكن بينما باستطاعة من هم بالخارج تقديم الدعم والنصيحة والتشجيع، فإن القيادات العراقية فقط باستطاعتها اتخاذ القرارات السياسية والتسويات اللازمة لأجل مستقبل بلدهم.إن وجود قيادة عراقية شجاعة يعتبر أمراً حيوياً، وهناك حاجة ماسة إلى وجود مثل هذه القيادة الآن لدعم إنجازات السنوات الأربع الماضية التي تحققت بفضل جهود مضنية، الإنجازات التي حُقِّقت نتيجة لتضحيات هائلة من قبل القوات الأميركية والبريطانية وغيرها من قوات التحالف، وفوق كل ذلك تضحيات من قبل الشعب العراقي نفسه، ستكون عرضة للخطر إن لم تتوافر مثل تلك القيادة. لذا فإننا نناشد القيادات السياسية العراقية اتخاذ الخطوات الضرورية لتحقيق ذلك.* ديفيد ميليباند، وزير خارجية بريطانيا«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»