يبدو لي أن السنوات الطويلة التي قضاها الدكتور الفهيد في الظل وبالأخص بعيداً عن الدوائر الإعلامية قبل أن يصبح مديراً للجامعة، غيبت عن إدراكه أن هناك شيئاً اسمه حرية التعبير، وأن للجميع حق الكتابة في الصحف، وأن الجامعة ليست شركة خاصة ليملك الحق فيها لخصم راتب أي موظف من موظفيها لمجرد أنه انتقد أداءه وطريقته في الإدارة.قبل تعيينه مديراً لجامعة الكويت، لم يكن الدكتور عبد الله الفهيد من الشخصيات المعروف عنها كثيراً حب الظهور الإعلامي، أو حتى الرغبة في مجرد الاقتراب من المسائل الصاخبة. كان من أعضاء هيئة التدريس العاملين بصمت، البعيدين عن التصادمات والإثارة، والظاهر أن هذه الأمور كانت مما استند إليه من اتخذ قرار تعيينه مديراً لجامعة الكويت، لما لهذا المنصب من حساسية مفهومة.
لكن المفارقة الواضحة اليوم، هي أن ذلك الالتفاف بالصمت ومفارقة الضوء الإعلامي اللذين كان يتصف بهما الدكتور الفهيد، انقلبا إلى نقيضهما تماماً بعد تسلمه رئاسة الجامعة، ولست أقول هنا بأنه قد أضحى من عشاق الأضواء اللاهثين وراء الظهور الإعلامي (على الفاضي والمليان)، وأن ميله للاستكانة في الظل قد استحال عشقاً للحركة تحت الشمس، لست أقول هذا لأنني لا أعرف ما يحوك في صدر الرجل، ولكن ما أعرفه أنه لا يكاد يمر علينا هذه الأيام يوم أو اثنان إلا وصورته وتصريحاته بازغة في الصحف على خلفية مسألة جامعية صاخبة جديدة هنا أو هناك. قد يقول قائل إن هذا جزء متوقع لمنصب مدير الجامعة، وسأقول إني لا أظن بأنه قد مر على الجامعة مدير حفلت فترته بمثل هذا الكم من الصخب الذي أحاط بالدكتور الفهيد حتى الآن، فسبحان باعث الحياة في الأوصال، مغير البشر من حال إلى حال!
لو أردت أن أبدأ بسرد الموضوعات الصاخبة التي طاردت الدكتور الفهيد أو طاردها، لما كفتني مساحة المقال، ولوجدتني أتنقل بين موضوعاته وتصادماته مرة مع اتحاد الطلبة ومرة مع الجمعيات ومرة مع أعضاء هيئة التدريس. لكنني سأكتفي باستحضار حادثة مميزة حصلت قبل ما يقرب من عام ونصف العام كمثال على ما أقصد.
تبدأ القصة عندما كتب الزميل د. صلاح الفضلي، وهو عضو هيئة تدريس في الجامعة، مقالاً بعنوان «الفهيد والبداية المتعثرة»، انتقد فيه التدخلات القادمة من خارج الجامعة للتأثير في اختيار عمداء الكليات آنذاك. ليقوم الدكتور الفهيد باستدعائه على إثر ذلك، ولكن عوضاً عن أن يستفسر منه عما جاء في مقاله وأن يعده بالتحري عن الموضوع، إذا به يحيله إلى التحقيق، ليصدر بعدها قراراً بخصم ربع راتبه عقاباً له على ما أسماه «تشويه صورة الجامعة». زميلنا الذي استشعر الظلم الواقع عليه، لم يركن إلى الأمر وقام برفع تظلم إداري لم يصل إلى إنصافه، فاضطر للجوء إلى المحكمة الإدارية التي حكمت لمصلحته أخيراً وأبطلت قرار الجامعة المتعسف بحكم نهائي.
يبدو لي أن السنوات الطويلة التي قضاها الدكتور الفهيد في الظل وبالأخص بعيداً عن الدوائر الإعلامية قبل أن يصبح مديراً للجامعة، غيبت عن إدراكه أن هناك شيئاً اسمه حرية التعبير، وأن للجميع حق الكتابة في الصحف، وأن الجامعة ليست شركة خاصة ليملك الحق فيها لخصم راتب أي موظف من موظفيها لمجرد أنه انتقد أداءه وطريقته في الإدارة، ولم أكن لأرجو أن يكتشف هذه الحقيقة بالطريقة الصعبة... عن طريق المحكمة!
على كل حال، أدعو الله أن يمضي مدير الجامعة أيامه القادمة في المنصب في تحقيق الإنجازات وحل المشاكل ومعالجة الأخطاء في مؤسسته الجامعية بما يعود بالنفع على المسيرة التعليمية، ولا ضير في أن يكون هذا محاطاً بالكثير من التغطيات الإعلامية إن هو أحب ذلك، لكن الأهم أن يتوقف عن التصادمات، خصوصا تلك التي على شاكلة تصادمه مع الزميل الفضلي الذي قضت المحكمة بأنه كان مخطئاً فيه جملة وتفصيلاً!