Ad

العديد من السياح النفطيين يتزوجون سراً، وينعمون بشهور عسل تطول وتقصر وفق ميزانية العريس السياحي، فإذا شعر بأن العروس حامل بجنين من صلبه، لاذ بالهروب واختفى عن الأنظار، وهنا يبدأ صداع السفارة... فبدلاً من أن تكون محنة «البدون» محصورة في حدود الوطن، صارت تلاحق «بني نفط» في كل وطن سياحي يلجأون إليه.

* يبدو لي أن وزارة الخارجية بحاجة إلى إنشاء إدارة جديدة، غير مسبوقة ولا ملحوقة تُعنى «بس» بالمزاج الكويتي ورغباته وحاجياته وما إلى ذلك! والحق ان المرء لا يغبط السفير الكويتي ولا مساعديه على وجودهم لتمثيل الوطن في بلد سياحي يؤمه الكويتيون صيفاً وشتاءً وكل حين، لأن الكثيرين من المواطنين يعتقدون أن السفارة: مكتب تخديم، وإيجار شقق، ومحطة تموين تزود القوم بالسمك الزبيدي، والرز البسمتي، والتمر الخلاص، ولبن النياق... وكل ما اعتاد عليه المواطن من زاد وشراب شح العثور عليه في بلاد الغربة!

ومن هنا: فإن السفير الزين الناجح من وجهة نظرهم هو الذي يحيل السفارة إلى ديوانية تُشرَّع للجميع طوال الوقت! وهو لا يرد لهم طلباً مهما كان غريباً وعجيباً، وليس من شؤون السفارة! وإذا شئت أمثلة من واقع الحال «المايل» خذ عندك: مواطن درجة أولى وبيتهم على شارعين، أفلس على حين غرة كما يزعم عادة، فبدلاً من أن يمتطي الطائر «المينون»... لا الميمون الميمم صوب مطار الكويت الدولي، تراه يتوجه إلى المبرة الخيرية، وهو الاسم الحركي للسفارة الكويتية في الخارج.

*منذ سنوات عدة اتصل بي صديق حميم يعمل قائماً بأعمال السفارة في عاصمة سياحية، طالباً مني زيارته في مكتبه لاطلاعي على خفايا قضية اجتماعية إنسانية مسكوت عنها منذ مدة، لسبب أو لآخر، ولم يعد من المناسب إهمالها، لأن هذا المنحى سيفضي بها إلى نشوء فضيحة مدوية تضير سمعة الوطن وأهله! حين دخلت مكتب صاحبنا وجدته كما مكتب «الباشكاتب» رئيس قسم الأرشيف والمحفوظات، حيث كانت الملفات والأضابير تكاد تحجب طلعته العابسة، وقال لي وهو يشير إلى الملفات الوارمة بالغواية والخطيئة: لقد انتقلت محنة «البدون» من أرض الوطن إلى العواصم السياحية العربية والأجنبية! فالذي يحدث أن العديد من السياح النفطيين يتزوجون سراً، وينعمون بشهور عسل تطول وتقصر وفق ميزانية العريس السياحي، فإذا شعر بأن العروس حامل بجنين من صلبه، لاذ بالهروب واختفى عن الأنظار، دون أن تكون بحوزة زوجه أي معلومة صحيحة تدل عليه وتعرِّف به! وذلك أن كل البيانات «مضروبة» وتايوانية ولا تمت إلى حقيقة البعل «البغل» بصلةٍ!

وهنا في تلك الساعة من الطيش والعبث يبدأ صداع السفارة... فبدلا من أن تكون محنة «البدون» محصورة في حدود الوطن، صارت تلاحق «بني نفط» في كل وطن سياحي يلجأون إليه طلبا للزيجة السياحية الحبلى بالمحن والإحن الضارة بسمعة البلاد والعباد!

*من هنا لا أحسبني، ولا غيري، يمكن أن يغبط السفراء ومساعديهم، على العمل في المواطن السياحية التي يختلف إليها السياح الخليجيون، بمناسبة ومن دونها! اللهم إلا إذا كان سعادة السفير لا يجد ضيراً في أن يحول السفارة إلى تكية، وجمعية خيرية، ورابطة لحقوق الإنسان، وملجأ للأطفال الكويتيين «البدون» المنتشرين في جميع المنتجعات السياحية! ولك أن تتصور الحالة المأساوية التي يكابدها هؤلاء الأطفال الأبرياء المحرومون من التعليم وكل حقوق المواطنة، لكونهم يعانون تذبذب الانتماء، فلا موطن الأم يعترف بهم بدعوى أنهم ينتمون إلى جنسيات آبائهم، الذين تملصوا من فعلتهم، وتهربوا من مسؤوليتهم الأبوية والإنسانية من دون أن يرف لهم جفن ولا رمش الحمية والأبوة والغيرة على الولد الذي هو من صلبه الذي ينكره. ولحسن حظ هؤلاء الأطفال «البدون» عنوة، فإن بعض الدول العربية أصدرت تشريعاً يقضي بمنحهم جنسية والدتهم... كما فعلت مصر والمملكة المغربية جزاهما الله خيراً.

وبقي علينا الآن منح هؤلاء الأطفال الأبرياء كل حقوقهم المشروعة من قبل آبائهم «المجهولين» الذين يمكن لوزارة الداخلية، والجهات المختصة الأخرى معرفة هوياتهم وعناوينهم سعياً إلى إلزامهم بأداء واجباتهم تجاه الزوجات اللواتي اقترنوا بهن تحت وطأة الحاجة، ودافع الفقر المدقع، فضلاً عن حافز «الفحولة» الحيوانية التي تخوِّل الواحد منهم ممارسة هذه المهمة الشبقية بمشاعر الثور الجاهز للاقتران بالبقرة أي بقرة حالما يروق له ذلك!

*إن المشاكل والبلاوي التي تجابه أي سفارة خليجية في البلاد السياحية لا حصر لها، ولا جدال في أنها تعيق السفارة عن أداء مهامها المنوطة بها. ولست معنياً بالخوض في تفاصيلها، لأنها بداية ليست سراً، ويعرفها القاصي والداني، لكن البلية تكمن في عدم مجابهتها بحزم وحسم! حتى الطائرات العربية الخليجية باتت هي الأخرى تعاني مشكلات جمة من بعض سياح بني نفط، ويندر أن تمر رحلة طيران في موسم حمى السفر من دون مشاكل تسبب الأذى لبقية الركاب، وتعطل مواعيد المغادرة، ربما لأن هذه الفصيلة محصّنة ضد المساءلة والمحاسبة... فلا غرو والأمر كذلك أن يجنحوا بسلوكهم متكئين على قاعدة «من أَمِنَ العقوبة أساء الأدب»!

والغريب ولا غريب سوى الشيطان في ديار بني نفط أن هؤلاء الركاب الجانحين الذين يعيثون عبثاً وولدنة في الطائرات الوطنية يتحولون إلى حملان ساكنة هادئة لا تريم، طوال رحلتهم على متن الطائرات الأجنبية، ربما لأنهم موقنون بأن قائد الطائرة لن يسكت عن أي تجاوز يصدر منهم غير عابئ بأصلهم وحسبهم ونسبهم وعزوتهم العائلية!

بصراحة إن الصورة التي ترسخت في أذهان الآخرين عن السائح النفطي لا تسر سوى الأعداء والحساد، ولأن الخير يخص، والشر يعم، بحسب القول المأثور، فإن الصورة الشينة المرسومة للإنسان الخليجي في عيون أهل المواطن السياحية تميل إلى التعميم المعهود الذي «بروز» كل السياح بميزان واحد، يخلط حابل العاقل بنابل السفيه المستهتر!

لذا أحسب أننا بحاجة ماسة إلى دراسة وتحليل الأسباب التي أفضت إلى أن تكون صورة السائح الخليجي شينة ومشوهة تثير السخرية والتنكيت والتبكيت، وما خفي أنكى وأسوأ وألعن! فبدلاً من إقامة المؤتمرات لبحث صورة العربي «القبيح» في عيون الأجانب، حريٌّ بنا بحث ودراسة نفس الصورة في عيون العرب أنفسهم.