لماذا لا يخالط الكويتيون شعوب العالم التي تقيم معهم؟ لماذا لا نرى البشر المقيمين معنا على هذه الأرض إلا أنهم خدم جاؤوا لجمع المال لا يستحقون منا كلمة شكر أو ترحيب؟ لماذا يعيش العربي أو الاجنبي ثلاثين عاماً أو يزيد ولا يحظى بالقبول أو يصادق إلا القليل القليل من الكويتيين؟ لماذا هذا التكبر والتجبر والتعدي الدائم على الآخرين، وكأننا من خلق خاص لا نمت للإنسانية بصلة؟ ما هذا الضمير الذي يسمح لكفيل أن يمتص دم المسكين الباحث عن عمل ويجبره على دفع ثمن الكفالة كل سنة ثم يجرؤ على الوقوف أمام الله يصلي له ولا يرى الحرام والظلم الذي يقوم به في سرقة تعب وجهد المكفول؟
هل راقبتم ما نفعله في خدم المنازل؟ هل تعلمون أن الكثير منهم لا ينام أكثر من ثلاث ساعات في اليوم، ولا يُسمح لهم بالخروج والاتصال إلا بعد جهد جهيد؟ ألا نرى كيف يتم ضرب وإهانة الخدم واستغلالهم أبشع استغلال، ومع ذلك نقول إننا مسلمون ونقوم بكل الفرائض التي تحضنا على محبة الناس والتعامل بالحسنى، فهل نحن مخادعون إلى هذا الحد حتى لله سبحانه وتعالى؟ هل ذهبت الرحمة والأخلاق والتعامل بأصول من عاداتنا وتقاليدنا، أم أننا صدقنا أننا السادة وكل الناس عبيد؟ هل تعلمون كم يدفع للموظف الدائم غير الكويتي من مرتب مقابل ما يدفع للكويتي؟ لن أحدثكم عن أجور العمالة الهامشية، كما تسمى، ولا عمال وفنيي المقاولين، فلو عرف أي إنسان عنده ضمير لمات خجلاً مما يسمع. هل سمعتم عن العمالة التي تعمل من دون أجر على أن يتكفل الرحماء أو مستخدمو خدماتهم بمكافأتهم بينما الكفيل أو صاحب المقاولة يقبض ثمن عملهم ويكتنز أغلبه لنفسه؟ إنها والله مآس... لا أعلم إلى متى سنغمض أعيننا عنها ونسكت عن هذه الجرائم التي ترتكب بيننا. هل وصلنا إلى هذا الحد في الاستهتار بالبشر والقيم وحقوق الناس؟ هل الكويتي من طينة تختلف عن كل البشر؟ هل الكويتي بلا إحساس؟ هل نسي الكويتي أنه في ليلة ظلماء استيقظ، فإذا هو بلا وطن، وأنه تشرد في كل بقاع العالم، ولولا النفط في أراضينا لما تحرك أي إنسان لتخليصنا من التشرد والضياع؟ ألم نكن نطرق أبواب الشعوب للوقوف معنا ومساعدتنا للرجوع إلى بلدنا؟ فلم عدنا الى سابق عهدنا، وكأن الغزو لم يحدث، بل عدنا أكثر عتوا ونفورا. فهل ضاع منا كل إحساس؟ نحن نحتاج الى كل إنسان على هذه الأرض، نريد عمالاً وفنيين وإداريين ومهنيين في كل مجالات التخصص والاحتراف كما نحتاج الى الخدمات، بل إن كل رفاهيتنا وراحتنا يوفرها لنا هؤلاء، فلماذا نُشعر الآخرين، وكأنهم زائدون عن الحاجة؟ من يقول بذلك ليرينا ساعده واستعداده وتخصصه وقدرته على العمل ساعات طوال تحت أقسى الظروف، إن لم يكن هؤلاء شركاؤنا في بناء الكويت فمن أين وكيف تُبنى الكويت؟ أنا لا أتهم الجميع بكل هذه البشاعات، فعندنا ناس تقدر الناس وتتعامل بالأصول، ولكن هؤلاء قلة. الأغلبية للأسف تنظر إلى المقيم نظرة احتقار ومهانة وتعامله بصلافة واستخفاف ولا أدري كيف يستطيع هؤلاء الناس النوم، أم تُرى مات الضمير؟ علينا إلغاء نظام الكفالة، وعلينا تطعيم قوانيننا بأحكام صارمة لمن يخالف حقوق الإنسان، وإلغاء أي مادة في هذه القوانين تُشم منها رائحة العنصرية أو التمييز بين البشر. علينا مراجعة نظم الرواتب وتجريم أي تمييز بين الناس إلا بالكفاءة والإنجاز والعطاء. وعلينا إقامة حملة مكثفة لتثقيف الناس بأصول التعامل مع إخواننا في البشرية وشركائنا في البناء. هل نترك الكويت نهبا لتجار الإقامات ولمعدمي الإنسانية والضمير؟
مقالات
إلى أين – 5
17-07-2007