Ad

يبدو أن ضيق الناس من أداء البرلمان كبير جداً هذه المرة، ليس بسبب تواضع أداء النواب وعدم إنجازهم مشاريع مقنعة شعبياً فحسب، وإنما أيضاً بسبب تعاظم الفساد وارتفاع وتيرة الاضطراب في أجهزة ومؤسسات الدولة.

يبدو لي أن الكثير من الناس يعارضون زيادة رواتب النواب، فقد لمسته من أحاديث متكررة هنا وهناك، وكذلك على الشبكة من خلال استبيان حول الموضوع جاءت أغلب التصويتات فيه في خانة المعارضة، وعلى الرغم من عدم ثقتي كثيراً في مثل هذه الاستبيانات كوسيلة إحصائية لكونها غالباً لا تقوم على أسس سليمة ولأن نتائجها عرضة للتلاعب، لكن نتيجة هذا الاستبيان بالذات جاءت متوافقة مع ما ذكرت أني لمسته سابقاً من أحاديث الناس.

ويمكن لي أن أتصور أن هذه المعارضة الواسعة نوعاً ما قد أتت من باب ضيق الناس من أداء البرلمان، لأني لم أجد أي معارضة لزيادة رواتب وظائف كثيرة طرحت أخيراً، بل لعل الجو العام كان دائماً مع ضرورة مراجعة سلّم الرواتب بسبب الغلاء المعيشي. ولكن يبدو أن ضيق الناس من أداء البرلمان كبير جداً هذه المرة، ليس بسبب تواضع أداء النواب وعدم إنجازهم مشاريع مقنعة شعبياً فحسب، وإنما أيضا بسبب تعاظم الفساد وارتفاع وتيرة الاضطراب في أجهزة ومؤسسات الدولة، فالناس وبمعادلة مباشرة تنظر للبرلمان باعتباره حاجز صد وحماية من الفساد الحكومي، وفي حال ازدياد هذا، وهو الأمر الواضح كالشمس في هذه الأيام، فمعناه أن البرلمان قد أخفق أو تهاون في القيام بدوره الأساسي لمراقبة السلطة التنفيذية ومؤسساتها، وبالتالي قد صار شريكاً لها في فسادها.

ولعل الناس تريد بهذا الشكل غير المباشر أن تعجل العقاب للنواب، لكنني وعلى العكس من ذلك أجد أن من حق النواب المطالبة، لا أقول بزيادة رواتبهم مباشرة، وإنما بمراجعتها على الأقل، شأنهم في ذلك شأن مختلف موظفي الدولة الذين روجعت رواتبهم وأولئك الذين تخضع رواتبهم للمراجعة حالياً.

أقول هذا لأني أجد أنه من الموضوعي أن تراجع رواتب النواب بشكل دوري وأن تدرس الأعباء الملقاة على عواتقهم مع اعتبار عوامل غلاء المعيشة وغيرها، فالنائب يقوم في نهاية المطاف بوظيفة يستحق مقابلها راتباً مجزياً. صحيح أن كثيراً من النواب، أو لنقل بعضهم حتى نكون في الأسلم، قد صار لديهم اليوم من مصادر الدخل الأخرى (بأنواعها)، مع ملاحظة القوسين، ما أغناهم عن الراتب الرسمي، إلا أن هذا لا يجب أن يكون مانعاً لمراجعة الرواتب النيابية وتعديلها لما هو أفضل، حيث إن من المهم أن تصبح وظيفة نائب البرلمان وظيفة مقنعة بامتيازاتها المادية لتكون جاذبة للكفاءات النزيهة المتميزة التي قد تكون عاملة أصلاً في وظائف ذات رواتب عالية كأصحاب الشهادت العليا والمتخصصين.

إما هذا، وإما أن تتحول وظيفة نائب البرلمان خلال سنوات إلى وظيفة طاردة لن يقبل عليها إلا أصحاب الأرواح الرسالية وعشاق التضحيات الذين لا يكترثون للمادة ولا أعرف من هؤلاء أحدا في أيامنا هذه، أو أولئك الباحثين عن مصالحهم الشخصية من وراء الكرسي البرلماني وهؤلاء هم أساس البلاء، أو أولئك المكتفون مالياً ولا أستطيع أن أتخيل برلماناً فاعلاً يسيطر على أغلب مقاعده التجار والبرجوازيون!

لكنني وفي مقابل مطالبتي بمراجعة رواتب النواب ومن ثم زيادتها، أطالب كذلك بتفعيل نظام الخصم المالي على من لا يحضرون الجلسات ومن يتغيبون عن اجتماعات اللجان، حال النواب في ذلك حال بقية موظفي القطاع العام. ولو طبق الأمر فعلا وأشك في ذلك، فأستطيع أن أتخيل من الآن كيف ستصبح رواتب بعض النواب في نهاية كل شهر مساوية لما يتقاضاه حارسنا البنغالي «هارون».