خذ وخل: المعرض الدولي للمصادرة

نشر في 14-11-2007
آخر تحديث 14-11-2007 | 00:00
 سليمان الفهد

اكتسب معرضنا سمعة «دولية» في المصادرة والمنع، ومن هنا حقّ له لقب الدولي بامتياز! وأحسبه لن يخيّب أمل أهل الديرة وسكانها بخسارة هذا اللقب، لا سمح الله، فسوف يحافظ عليه بجدارة لا يجاريه فيها معرض... اللهم إلا معرض الممنوعات التي تقنصها وزارة الداخلية من المهربين والمروجين.

* كان معرض الكويت للكتاب يأتي في المرتبة الثانية بعد معرض القاهرة الدولي للكتاب، وهذا التصنيف ليس من جعبتي لكنني سمعته مراراً وتكراراً من العديد من الناشرين العرب؛ يصرحون به كلما افتتح المعرض وعند انتهائه. وأحسب أن هذا المركز المشرف المفرح استمر وتواصل إلى النصف الاول من عقد الثمانينيات!

وقد بدأ العد التنازلي لتدهور حالة معرض الكتاب، حين بدأت رقابة المجتمع تتزايد على رقابة «المكتوبجي» المتربع في وزارة الإعلام! حسبنا التذكير بهذا السياق أن وزيراً للإعلام استجوب وغادر الوزارة، بسبب رقابة المجتمع التي باتت تدس أنفها في كل نشاط ثقافي وفني وأدبي تتم ممارسته في البلاد! ولعلني لا أغالي إذا أشرت إلى أن رقابة المجتمع باتت أشد وطأة وسطوة وتعسفاً ومصادرة من رقابة «المكتوبجي» العتيدة، إلى درجة أن العديد من الكتب يُمنع وجودها في معرض الكويت وتكون حاضرة في معارض الشارقة، وأبوظبي، والدوحة، والرياض، فضلاً عن حضورها في المعارض العربية الأخرى مشرقاً ومغرباً، من دون أن يرف المعرض بجفن ولا بؤبؤ!

من هنا لم يعد سراً أن كثيرين من مريدي الكتاب والقراءة باتوا يقاطعون معرض الكويت للكتاب، ولا يحفلون بوجوده، بسبب وصمة المصادرة والمنع التي أحالته إلى معرض مهجور لا يزوره - عنوة - سوى تلاميذ المدارس الابتدائية والمتوسطة لاقتناء اللعب، وتزجية يوم دراسي فارغ من الجدوى والفائدة المتوخاة من معرض يفترض أن يهتم بثقافة الطفل بشتى مناحيها!

* ولذا يمكننا الزعم بان وجود المعرض كل سنة، لا يعد حضوراً بكل ما ينطوي عليه من فاعلية وانفتاح واستنارة تحرض على القراءة، وزيادة عدد القراء. لكن معرضنا العتيد بات كسراب بقيعة يحسبه المتلقي ماء... وهو ليس كذلك!

ومن هنا: فالسؤال الذي يدحرج نفسه في هذا السياق هو: هل ثمة إمكان لإقامة معرض «حقيقي» في بلد تباع فيه المكتبات ودور النشر وما تضمه جنباتها من مصنفات شتى بالمزاد، وبالوزن بالكيلو، بأسعار متدنية جداً لا تكفي ثمنا للورق الحاف؟!

إن بلادنا تحقق نبوءة الروائي الأميركي «راي برادبيري» بشأن الزمان الذي سيتم فيه إعدام الكتب عبر حرقها بنار درجة حرارتها 451 فهرنهايت، وهو اسم روايته التي تحولت إلى فيلم سينمائي روائي بالاسم ذاته.

صحيح أن حرق الكتب هنا تم بصيغة مجازية، لكنها تفضي إلى نفي الكتاب «بالسراديب» وإفلاس الناشر والموزع! وأحسبني لا أذيع سراً إذا ذكرت أن «المزية» الوحيدة لمعرض دولة الكويت وضواحيها تكمن في إمكان بيع الكتب غير المباعة إلى دور النشر الكويتية، التي تشتريها بسعر الجملة! وهي عادة ما تكون كتباً مكدسة في مخازن الناشرين الأصليين، ويرومون التخلص منها بأي ثمن! وأعتقد أن القارئ قد يتفق مع العبد لله بشأن الفرق الشديد بين المعرض الدولي للكتاب وبين «سوق حراج» الكتب! والذي يحيرني في معرضنا للكتاب هو تشبثه بصفة «الدولي» التي تبدو مجانية لا تمت إلى واقع الحال بصلة، اللهم إلا إذا كان المقصود بالدولي علاقته العضوية بالدولة! أو أن المعرض يتأسّى بالأسماء المرصعة بالألقاب والمناقب المجانية التي تحملها بعض المطاعم والفنادق والشركات وغيرها! ما علينا... فبرغم كل شيء فإن معرضنا عزيز علينا «كرمى» لماضيه المضيء المجيد، ومن حقنا وواجبنا إكرام هذا العزيز الذي ذلّ وبهت وفقد صيته ومكانته، وخبت إشراقته واستنارته، وبات مجرد معرض يقام بحكم العادة، وبداعي المناسبة القسرية ليس إلا! فهو معرض للفرجة المتحفية!

* وقد بات معلوماً للقاصي والداني أن معرض «الشارقة الدولي للكتاب احتل مرتبة معرضنا منذ سنوات عدة، وحين كنت أطوف في معرض الشارقة ينتابني شعور مزدوج بالفرح والحزن في آن واحد: الفرح لنجاح إمارة الشارقة الشقيقة في تنظيم المعرض الناجح، والحزن لأن معرض «الشارقة» نفسه بات يذكرني بمعرضنا «الدولي» في الأيام الخوالي. إن معرضنا يُحتضَر! إن لم يكن قد توفاه الله بالسكتة القمعية إياها!

وما دام الأمر كذلك، «وهو كذلك ونص»، فالضرب في الميت حرام. فضلا عن وجوب ذكر محاسن المرحوم ومناقبه! أما إذا كانت محاسنه غادرته منذ مدة، فلا حول ولا قوة إلا بالله. حسبه أن يقيم معرضاً موازياً للكتب الممنوعة والمصادرة، ويتاح لكل قارئ راغب في اقتناء وقراءة كتاب ممنوع، التقاط صورة تذكارية تجمعه بالكتب المصادرة بلقطات و«بوزات» فوتوغرافية متعددة!

وأحسب ان العديد من الناشرين العرب يفرحون جداً بمصادرة معرضنا لبعض إصداراتهم، لأن هذا المنحى خير وسيلة لترويج الممنوع وإشهاره! وكما ترون اكتسب معرضنا سمعة «دولية» في المصادرة والمنع، ومن هنا حقّ له لقب الدولي بامتياز! وأحسبه لن يخيب أمل أهل الديرة وسكانها بخسارة هذا اللقب لا سمح الله، فسوف يحافظ عليه بجدارة لا يجاريه فيها معرض... اللهم إلا معرض الممنوعات التي تقنصها وزارة الداخلية من المهربين والمروجين، لذا أقترح أن يكون «أسد حولي» رئيسا فخرياً لمعرضنا الميمون!

back to top