Ad

معالي الوزير... الفرق بين القيادي الناجح والقيادي العادي هو في القدرة على التأثير في البيئة والعاملين، وتحويل المعايير والمقاييس إلى ممارسات على أرض الواقع.

بما أن النائب الموقر وليد الطبطبائي قد أعطاك مهلة زمنية محددة لتعديل أوضاع الوزارة وأنذر بالاستقالة، فيرجى تقبل التالي كمداخلة بسيطة لعلّها تساعدك في المحافظة على الطبطبائي في المجلس!

على عكس التربية والتعليم لا توجد في وزارة الصحة مشاكل فنية كبيرة، فأغلب الأطباء والطاقم المساعد مدربون تدريباً طبياً جيداً، والدليل انه بمجرد خروج الطبيب إلى القطاع الخاص وفتح عيادته الخاصة يتجمهر المرضى في عيادته ويفضلونه على الأجنبي، والدليل الآخر ان دول الخليج تستقطب الأطباء من الكويت قبل أي دولة عربية أخرى لكفاءتهم الفنية وخبرتهم.

ومثل التربية والتعليم، وربما بدرجة أسوأ، تعاني وزارة الصحة مشاكل إدارية معقدة وعميقة، وهذه المشاكل تبدأ بالهيكل (أو الهياكل) التنظيمية المترهلة والمتهالكة، مروراً بالسياسات والإجراءات وراء سوء استخدام الموارد التي تكرس الروتين والبطالة المقنعة وتفتح الباب على أوسعه لاستغلال الموارد وتعطي الغطاء للتمييز في خدمة المريض والموظف على حد سواء. وننتهي بالعامل الأهم والأصعب للتغيير، وهو المناخ السائد الذي يبعد كل البعد عن المناخ المطلوب لجهاز فني ومهني معني بخدمة الجمهور.

و«لنفض» الوزارة وإعادة تأهيلها لابد من دراسة ومعالجة هذه العوامل كلها مع تشجيع ودعم الجانب الفني ومحاولة رفع معاييره. والخطوة الأولى برأيي، هي شطب الهياكل الحالية وبناء هياكل مرتكزة على الخدمة يكون المريض هو محورها لا الروتين والامتيازات الإدارية والمناصب والمسميات. وهذا سيحدد الفائض لديك في الوظائف الإدارية أو الفنية الهامشية التي يمكن إعادة تأهيلها بالتدريب لتسد النقص في الجوانب الفنية والإدارية المتخصصة.

الخطوة التالية، تتمثل في إعادة النظر في عمليات الوزارة وإجراءاتها وسياساتها بشكل يضمن المرونة في خدمة ومعالجة المريض والمراجع، وفي الوقت نفسه يضبط توزيع واستخدام موارد الوزارة وميزانياتها بعيداً عن الأهواء وبناءً على أولويات مدروسة وموثقة. كما يتطلب الأمر مراجعة السياسات والإجراءات الإدارية والخاصة بشؤون الموظفين لتضع معايير واضحة للمكافآت والجزاءات تتماشى مع الممارسات المثلى في المؤسسات الصحية والطبية في العالم كله.

ولكن الهياكل والسياسات ستبقى حبراً على ورق إذا لم تخلق البيئة المناسبة لدعمها، فضلا عن بلورة الفلسفة التي تستند إليها، فوزارة الصحة ككل وزارات الكويت تشكو بيئة استحقاقية كسولة قليلة الإنتاج وكثيرة الشكوى. وهذا في وزارة الصحة ينطبق على الطاقم الإداري أكثر من نظيره الفني، لكن حتى الجهاز الفني والأطباء بشكل خاص فقدوا روح العطاء والمبادرة والرغبة في المساعدة التي دفعتهم إلى الطب بالأساس. ولا أعمم هنا، ولكن بشكل عام فقدَ الأطباء الحماس للتطور والخدمة وأصابتهم العدوى الإدارية. وقد لا يلامون على ذلك لضغط العمل وضعف الحافز وكثرة الإغراءات المادية خارج نطاق الوزارة أو العمل الفني.

المطلوب بادئ ذي بدء وضع مقاييس لآداب المهنة ومعايير للخدمة وتفعيلهما. وهذه المعايير والمقاييس أيضا لن تكون اختراعاً كويتياً، فهي موجودة في العالم كله، المؤسسات المحترمة هي التي تضع هذه المعايير وتحرسها وتدعمها. وهذا يتطلب معالي الوزير قيادة! فالفرق بين القيادي الناجح والقيادي العادي هو في القدرة على التأثير في البيئة والعاملين، وتحويل المعايير والمقاييس إلى ممارسات على أرض الواقع وقيم يحملها كل من يعمل في المؤسسة.

التحدي كبير معالي الوزير والمهلة قصيرة، ولكنك تملك في وزارتك العقول والخبرات والمهارات جميعها التي ستساعدك في الخروج من هذه الأزمة، فلا تجعلنا نخسر الطبطبائي... أرجوك!