من دخل الحكومة فهو آمن!
أخفقت د.معصومة المبارك في وزارة الصحة، وليس مرد الأمر إلى قِصر الفترة التي قضتها في هذه الوزارة، فالإصلاح الجاد والحقيقي تظهر علاماته من الأيام الأولى، وكان من الواجب عليها أن تقوم بجرد شامل وكامل لكل ما يعتري وزارة الصحة من أمراض وعلل، ثم تكلف المتخصصين تقديم الخطط والبرامج للعلاج.
هل كانت د.معصومة المبارك وزيرة الصحة المستقيلة مسؤولة عن حريق مستشفى الجهراء؟ بالطبع لا... إذن هل كان واجباً عليها أن تستقيل؟ بالطبع نعم! ما هذا التناقض؟ كيف لا تكون الوزيرة مسؤولة عما حدث ويكون واجباً عليها أن تستقيل في الوقت ذاته؟!لا يوجد أي تناقض في الحقيقة لأن منصب الوزير هو منصب سياسي أكثر بكثير من كونه منصباً إدارياً، فالوزير ليس مديراً ولا مسؤولاً إدارياً يفترض به أن يقوم بأعمال مكتبية وما شابه، وإنما هو في محل القائد الذي جاء لرسم الخطط والسياسات ومن ثم متابعتها والإشراف على تطبيقها.وهكذا فإن من يقبل حمل أي حقيبة وزارية فهو يقبل ويتعهد في الوقت ذاته بأن يتحمل المسؤولية السياسية لقاء كل ما يجري فيها، ابتداءً من عمل أصغر موظف تحت إمرته وانتهاءً بوظيفة وكيل الوزارة.هناك مقولة يستخدمونها في الغرب تقول إن الرؤوس لا بد أن تتدحرج من على المقصلة في العمل العام. وهذه المقولة تلخص بالضبط معنى المسؤولية السياسية. في العمل السياسي، لا بد أن يكون هناك قيادي يتحمل المسؤولية عن كل أعمال من يعملون تحته. يتحمل المسؤولية عن كل أخطائهم قبل أن تنسب إليه نجاحاتهم. ولهذا السبب نجد كثيراً من كبار المسؤولين في أنحاء العالم يستقيلون إثر حوادث قطارات أو تعطل أنظمة إلكترونية أو إخفاقات إدارية أو مالية، ولا يحصل هذا من باب المسؤولية الإدارية أو التجريم المباشر، ولكن من باب تحمل المسؤولية السياسية، وهذا ما حصل في حالة د.معصومة المبارك. ولا يمكن لي أن أصدق أن د.معصومة وهي أستاذة العلوم السياسية غير الجاهلة باللعبة السياسية وتبعاتها، لم تكن تعلم يوم قبلت حقيبة وزارة الصحة، هذه الوزارة المريضة، بالاحتمالات الكبيرة لأن تواجه «مقصلة» الاستجواب، لذلك فأنا مستغرب تصريحاتها التي شابها بعض التشنج تجاه نواب الاستجواب من بعد تقديمها استقالتها!وزيرة الصحة مسؤولة سياسياً عن حريق مستشفى الجهراء، ومسؤولة سياسياً قبل ذلك عن استمرار تردي خدمات وزارة الصحة بل وحتى عن نقص كميات الشاش والقطن في أصغر مستوصف من مستوصفات وزارة الصحة.لا أقول هذا متصوراً أنه كان عليها أن تذهب إلى المستشفيات والمستوصفات لتوفر الشاش والقطن ولتخفف الازدحام وترتب الطوابير، ولكنني أقوله من باب أنه كان من الواجب عليها أن تقوم بجرد شامل وكامل لكل ما يعتري وزارة الصحة من أمراض وعلل، ثم أن تكلف المتخصصين تقديم الخطط والبرامج للعلاج، ثم أن تربط هذا بجدول زمني للتنفيذ تشرف عليه وتتابع حصوله، وهو الأمر الذي لم يحصل على الإطلاق.لذلك فقد أخفقت د.معصومة المبارك في وزارة الصحة، وليس مرد الأمر إلى قِصر الفترة التي قضتها في هذه الوزارة، فالإصلاح الجاد والحقيقي تظهر علاماته من الأيام الأولى.على أي حال، أنا لست بقلق على مستقبل الدكتورة معصومة، لأن «من دخل الحكومة فهو آمن» وأستطيع أن أتنبأ بأين ستذهب من الآن. ما يقلقني هو الوضع الصحي، فقد عدنا الآن إلى المربع رقم واحد مجدداً، وستبقى المشاكل كلها عالقة حتى «وزير» آخر... نسأل الله السلامة والصحة للجميع!