جولة بوش في المنطقة: الرسالة والأهداف 1 - 2
كثيرون أرادوا ألا تتم زيارة الرئيس الأميركي للمنطقة، كثيرون تمنوا أن تفشل الزيارة، كثيرون حاولوا افتعال حوادث لتعكير صفو الزيارة، سال مداد كثير من التنديد بجولة بوش في المنطقة، وتعالت صرخات الحناجر في الفضائيات احتجاجاً، وصحف المعارضة المصرية لم تدخر وسعاً في نعت الرئيس الأميركي بالنعوت المسيئة وغير اللائقة، تظاهرات احتجاجية دبرت في أكثر من منطقة عربية جماعات «الكراهية» علت أصواتها معارضة لزيارة الرئيس الأميركي. الإخوان في مصر، ومن غير مناسبة، طالبوا بمنع الزيارة. لكن الزيارة تمت والجولة اكتملت والأهداف تحققت ولقي الرئيس الأميركي أينما حل أو ارتحل كل حفاوة وترحيب وحظي بالعناق الحميم والتقى بزعماء العرب- معسكر العقلانية والاعتدال- وتحاور معهم بكل صراحة، وحظي في الخليج بأجواء حميمة لن ينساها: رقصة العرضة والغناء في الصحراء والمبيت في مزرعة ورأى مظاهر التقدم وعمليات التنمية والإصلاح تسير بخطوات واثقة وسريعة في المنطقة وقد أبدى إعجابه وإشادته بها.. لكن دعونا نتساءل: لماذا تعالت أصوات المعارضين الرافضين للزيارة وما هدفهم؟ لم أجد أي منطق عقلاني لهؤلاء الذين ملأوا الدنيا صراخاً، لا يوجد أي تحليل موضوعي في طروحاتهم التي غلبت عليها لغة الاحتجاجات، لم أجد مقالاً يحلل ويناقش أهداف الزيارة من منطلق عقلاني يستبطن أهمية تحالف دول المنطقة مع الدول الأعظم في المدني الاستراتيجي.. لم تخرج الطروحات والكتابات عن ترديد وتكرار نغمتين سقيمتين هما: «دعم إسرائيل» و«تحريض الخليج على إيران».. ومن يطلع على الكم الهائل لتلك المقالات لا يخرج إلا بانطباع واحد هو تعاظم (حجم الكراهية) على المستوى الشخصي تجاه شخصية الرئيس الأميركي نفسه ولذلك كان هم الكاتب قراءة نوايا «بوش» لا المعطيات الظاهرة ولا سياساته ولا تصريحاته والمقالات في معظمها أقرب للأماني والأحلام منها إلى الحقائق الصلبة التى تحكم المشهد العربي والخليجي الراهن.طروحات هؤلاء الكتاب لا تكاد تخرج عن هدفين: إما خدمة الطرح الغوغائي الذي يسود الساحة وركوب الموجة العاطفية للشارع العربي، ظناً أن الجماهير العربية تفضل هذا النوع من الطرح السطحي «من باب ما يطلبه المستمعون» وإما خدمة أهداف معسكر «الممانعة» و«المقاومة» و«النصر الإلهي» و«المال النظيف» الذي يواجه معسكر «الاعتدال العربي» وهذا المعسكر «البائس/ اليائس» يضم تحالفاً عجائبياً بين دول وقوى وجماعات لا تربطها إلا معاداة «أميركا» و«مواجهتها» و«مناطحتها»، وهو بزعامة «طهران» المايسترو الكبير للجوقة الموسيقية «دمشق» «حزب الله» «حماس» وقوى أخرى لا نعلمها.
الآن إذا كان من الطبيعي والمنطقي أن يقوم معسكر (الممانعة) و(المقاومة) بكل ما من شأنه تخريب جولة بوش أو تعكير صفوها، فما مصلحة هؤلاء الكتاب المتباكين والمحتجين على زيارة بوش؟ لا تفسير إلا أن معاداة أميركا «ظاهريا» مكسب إعلامي كبير لصاحبها!!إيران لها مصلحة في منع زيارة بوش وذلك حزب الله، ولكن ما مصلحة «حماس» في معاداة أميركا وهي أحوج ما تكون إليها لحل أزمتها؟ وما مصلحة «مهدي عاكف» مرشد الإخوان في بيانه غير العقلاني «لا مرحبا بالقتلة»؟! ومن هذا المنطلق نفهم الاستفزازات المستمرة والحوادث الدامية التي تزامنت وصاحبت جولة بوش في المنطقة، بدءاً من مناوشة الزوارق الحربية الإيرانية للبوارج الأميركية وازدياد نشاط العمليات العدوانية ضد الجيش الأميركي في العراق، وتفجير «الكرنتينا» في بيروت الذي استهدف سيارة دبلوماسية أميركية، وافشال المبادرة العربية التي حملها الأمين العام عمرو موسى لبيروت حتى لا يربط نجاحها بزيارة بوش، وكذلك استهداف «المدرسة الأميركية» بغزة- مرتين- بالتخريب والنهب، ولا يمكن أيضا استبعاد تجدد المعارك بين الجيش اليمني والحوثين عن هذا السياق.. ويأتي نشاط صواريخ قسام ضد البلدات الإسرائيلية المجاورة والرد العدواني الإسرائيلي (المجزرة) والذي أسقط العشرات من القتلى في هذا الإطار.. هذه الأعمال كلها لا هدف لها إلا إفشال زيارة الرئيس الأميركي ولو حتى بالإضرار بأنفسنا!! هل هناك ما هو أعجب من ذلك؟ لماذا لا تكون هذه الزيارة فرصة مواتية لنسمع الرئيس الأميركي وجهة نظرنا ولطرح رؤيتنا مباشرة أمامه تجاه قضايا المنطقة، لماذا لا تكون فرصة لنا لنتعرف على طبيعة تفكير بوش ورؤيته لقضايانا؟ لماذا لا تكون الزيارة فرصة لتبادل الحوار والنقاش؟ لماذا نستبق الأحداث ونحكم بالفشل من قبل أن تبدأ الزيارة؟ لماذا حملة الشتائم والإسفاف؟ هل بتحريض الجماهير ضد زيارة بوش تتحقق عملية السلام وتقوم دولة فلسطين؟ وهل بمثل هذا الإسفاف نحتوي النفوذ الإيراني المتصاعد ونحجّم أخطاره على المنطقة؟ التفسيرات السطحية التي يردها بعض الكتاب عن أهداف الزيارة متمثلة في مساندة إسرائيل وتحريض الخليج ضد إيران، تصطدم بجملة من الحقائق الموضوعية فأولاً: إسرائيل في أوج قوتها وخصوصاً بعد الانقسام الفلسطيني الدامي وانشغال «حزب الله» بالجبهة الداخلية فلا توجد ثمة أخطار على إسرائيل في المستقبل القريب، زيارة الرئيس الأميركي تضيف إليها قوة بل تضطرها- أحياناً- إلى تقديم تنازلات وقبول بعض الضغوط. وأما صواريخ قسام فهي (ألعاب أطفال) لا تضر إسرائيل، بل تعطيها الذريعة القوية لمواصلة عدوانها ولرفضها عملية السلام والاعتراف بإقامة دولة فلسطينية وبحق العودة للفلسطينيين، ويكسبها ذلك مزيداً من التعاطف العالمي، وثانياً: بالنسبة لدول الخليج.. فالخليجيون واعون ومدركون لحجم النفوذ الإيراني وتغلغله في المنطقة وعارفون بخطورة الهيمنة الإيرانية وطموحاتها التوسعية فلا يحتاجون إلى مَن يبصرهم ولا إلى مَن يحرضهم. كما أن أميركا ليست بحاجة إلى تحريض الخليجيين ضد الخطر الإيراني لأنها لو قررت توجيه ضربة عسكرية لإيران فهي قادرة كما فعلت مع صدام وحينئذ تجد حلفاء كثيرين.* كاتب قطري تنشر بالمشاركة مع «الوطن» القطرية