مولد بلا صاحب!

نشر في 05-03-2008
آخر تحديث 05-03-2008 | 00:00
 أحمد عيسى الرحلة طويلة، والبُعد يختزل الحنين لوطن يرزح تحت الارتهان، وما إن عانقت الطائرة سماء الكويت، إلا وعدنا من حيث بدأنا، تعرضنا لمطبات هوائية، لكننا مع ذلك وصلنا بسلام، إلى حيث الطائفية والتخندق والصراع والمصالح، التي حضرت جميعها خلال عيد الاستقلال، فيما غابت بلادي عن حفل زفافها.

هكذا الأمور في بلادي، العبث والفساد هما الحاكمان، حكومة عاجزة عن مواجهة برلمان استحواذي، والنتيجة ضياع مليار دينار سنوياً، لمجرد فشل الأولى في كبح غلاء الأسعار.

مليار دينار، لو أُحسن استغلاله، لتحولت الكويت إلى نموذج في الشرق الأوسط، يكون الرخاء فيه واقعاً ملموساً، لكن وفق نموذجنا الديموقراطي، نجده تحول إلى كابوس مزعج سيطول جثومه على صدورنا.

في الكويت، الجميع تشخص عيونه على فائض الميزانية، والكل يريد حصته من عوائد النفط المرتفعة، عداً ونقداً، من دون أن يقدم مقابلاً لذلك، فيصبح الكل شريكاً في الربح، وتاركاً الدولة وحيدة بالخسارة، بكل عبثية.

مجلس الوزراء الذي أقر قبل أسبوعين، زيادة جميع الموظفين بلا مبالاة، ومن دون أدنى حس بالمسؤولية الوطنية، أقرها وأعضاؤه يعلمون أنهم يشرفون على موظفين، السواد الأعظم منهم لا يقدم الحد الأدنى، مما هو مطلوب منهم وظيفياً، لكنهم مع ذلك قرروا لهم زيادة على رواتبهم، بدلاً من مساءلة وزير التجارة عن غلاء الأسعار.

مجلس الوزراء ذاته، هو الذي طالما ردّد علينا أسطوانة «البرلمان سبب تعطيل التنمية»، وهو ذاته الذي أعلن نيته توظيف 4 مليارات دينار قبل عامين، ووعد بتأسيس أربع شركات لبناء مدينة الحرير، وعلاج قضية الإسكان، وتحسين مستوى المعيشة، والخدمات الطبية والتعليم، وهو أيضا الذي لم يقدم خطته لتوظيف فوائض النفط، ونعم هو الذي طالما شغلنا أعضاءه، بأنهم الأحرص على مصلحة الكويت، أكثر من أي منّا، وهو عينه الذي قرر تكليف ميزانية الدولة المليار دينار قيمة الزيادة على رواتب الموظفين.

هو مجلس الوزراء، الذي دخل زار المزايدة على تحسين وضع المواطن، وأعطى مؤشرات على قرب رضوخه للبرلمان، ليزيد زيادته %50 في المزاد الجاري على رشوة المواطنين، وهو الذي قرر أن يساوي بين المحامي والصحافي والطبيب والمهندس مع المدير والإداري والأكاديمي وعديم المؤهل، وهو ذاته الذي كلف البنك الدولي وضع دراسة لزيادة الرواتب، وهو نفسه حفظها في أحد الأدراج العلوية على المكتب الأول.

أي عبث تعيشه الكويت، حينما يقرر 14 عضواً في مجلس الوزراء، تكليف ميزانية الدولة مليار دينار سنوياً، فقط لأنهم فشلوا في السيطرة على غلاء الأسعار، فيأتي ويزايد عليهم 48 آخرون، مطالبين بزيادة على الزيادة، ولأننا ملعونون بتصدير النفط، السلعة الأولى في العالم، يكون قرار هؤلاء مجتمعين، أن نهدر ملياراً ونصف المليار سنوياً، على زيادة الرواتب، فيما تبقى شوارعنا ومطارنا ومستشفياتنا ومدارسنا على حالها المخزي، ولكن في هذا الوضع يكون الركون للصمت أفضل، فهذا المولد لا صاحب له، ما دمنا نفكر بالحاضر، ونهمل المستقبل، الذي إن حاولنا تزيينه، فبفضل هؤلاء الاثنين والستين، سيكون قاتماً، قبل زيادة الرواتب وبعدها.

back to top