سبع نصائح يقدمها الدكتور فضل في هذه الحلقة الى أتباع الجماعات الإسلامية، تبدو في ظاهرها نوعاً من الوعظ الديني العام، لكن المستوى الأعمق في قراءتها يأخذنا إلى رسائل سياسية مضمرة، واشتباكات «مشفرة» مع منهج التربية العقائدية التي يحشد بها تنظيم القاعدة أنصاره.

Ad

ويلفت النظر مطالبة الدكتور فضل للإسلاميين بالتوقف عن اعتماد مبدأ السمع والطاعة، الذي يدفعهم إلى إلغاء عقولهم وارتكاب مخالفات شرعية، تنفيذاً لأوامر قادتهم المُختفين في الكهوف وليس في الصفوف الأمامية، كما يجب عليهم.

وتثير النصيحة الأخيرة في حلقة اليوم جدلاً متوقعاً، إذ إنها تدعو إلى الوفاء بالعهود، بمعنى ضرورة الالتزام بقرار وقف الصدام مع السلطات الحاكمة في الدول الإسلامية.

وهي رسالة واضحة تطمئن أولئك المتشككين حتى الآن في صدقية هذه المراجعات، لكنها في الوقت نفسه تطرح أسئلة عن إمكان استفادة الحكومات من مثل هذه النصيحة في مطالبة معارضيها باحترام الاتفاقات الدولية التي وقعتها هي بعيداً عن توجهات شعوبها، مثل معاهدة كامب ديفيد على سبيل المثال.

وفي ما يلي نص الحلقة الثانية عشرة من الكتاب:

ثالث عشر: نصيحة لأتباع الجماعات الإسلامية ولعموم المسلمين

1) تعلم دينك:

فـ (طلب العلم فريضة على كل مسلم) صححه السيوطي، وهناك أمور في الدين يجب على كل مسلم أن يتعلمها قبل البلوغ الذي هو وقت جريان قلم التكليف عليه، وهذا ما يسمى بـ (فرض العين من العلم الشرعي)، ومنه معرفة أركان الإسلام ونواقضه والحلال والحرام، وتعليم الصبي واجب على ولي أمره للحديث الصحيح «كلكم راع ٍوكلكم مسؤول عن رعيته» متفق عليه، وقال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ...» (التحريم:6)، وقال النبي (ص): «علموا أولادكم الصلاة لسبع سنين» الحديث رواه الترمذي وحسنه، ومن لم يتعلم دينه في صغره وجب عليه تدارك ذلك على الفور لقوله تعالى: «وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ ...»(آل عمران:133)، وقال تعالى:«... فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ...» (البقرة:148).

الأحكام التكليفية

وضابط ما يجب على المسلم تعلمه من دينه بعد فرض العين هو: ألا يقدم على فعل شيء إلا بعد معرفة حكمه الشرعي من جهة الأحكام التكليفية الخمسة (الواجب والمندوب والمباح والحرام والمكروه)، ويدخل في ذلك مهنة المسلم التي يرتزق منها، وأي قول أو عمل يريد أن يفعله أو يشارك فيه... قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ...»(الحجرات:1)، أي لا تتقدموا بقول أو فعل حتى تعلموا حكم الله تعالى ورسوله (ص). وقال تعالى: «وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ...» (الإسراء:36)، فلا يجوز لمسلم أن يفعل شيئًا حتى يعلم حكم الله تعالى فيه.

ومن شرف العلم أن الله عز وجل لم يرشد نبينا (ص) إلى طلب الاستزادة من شيء في الدنيا إلا العلم فقال جل شأنه: «...وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً»(طه:114)، وقال النبي (ص): «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» متفق عليه، فإذا شرح الله صدرك للتفقه في الدين فعليك بالقراءة في كتب السلف فإن العلم فيها غزير والخطأ فيها عزيز قليل، وبخاصة كتابات ابن تيمية وابن القيم وابن كثير وابن قدامة وابن رجب وابن حجر والنووي والسيوطي والشاطبي والمنذري والشوكاني، وقد جمع هؤلاء علوم سلف الأمة، وعنهم أخذ كل من جاء بعدهم من الراسخين في العلم، وقبل هؤلاء جميعهم الإمام البخاري رضي الله عنه، وهو في نظري أعلم المسلمين بعد الخلفاء الراشدين الأربعة حتى قال عنه شيخه قتيبة بن سعيد: (لو كان البخاري في الصحابة لكان آية) ذكره ابن حجر في (هدى الساري) يعني فكيف إذا قورن البخاري بمن هم دون الصحابة وبعدهم؟ ولا يعني هذا أن البخاري أفضل من الصحابة، فهم لهم الأفضلية العامة وهو له المزية الخاصة في العلم، وقد ذكر أبو العباس القرافي في كتابه (الفروق) الفرق بين الأفضلية والمزية.

«معارج القبول»

- وأفضل كتاب في الاعتقاد هو (معارج القبول) لحافظ حكمي.

- وأساس دراسة الفقه كتابان: (بداية المجتهد) لابن رشد، و(نيل الأوطار) للشوكاني.

- وأفضل التفاسير (ابن كثير).

- ولا يرسخ أحد في علم الحديث إلا بدراسة (فتح الباري) وهو يغني عن غيره من الشروح.

- وأفضل كتب اللغة: كتب ابن هشام الأنصاري بشروح محمد محيي الدين عبدالحميد.

- أما علوم الوسائل وهي: (علوم القرآن وعلوم الحديث وأصول الفقه وعلوم اللغة العربية)، فلا يحتاج إليها العامي ولا المبتدئ في دراسة الدين، لأنها من وسائل الاجتهاد والاستنباط، ولم تكن هذه العلوم موجودة في عصر الصحابة، وإنما وضعها العلماء بعد ذلك لنفهم نصوص القرآن والحديث كما فهمها الصحابة وكانوا هم أهل اللسان العربي الصحيح، رضي الله عنهم.

العلم لأجل العمل

2) وما تعلمته من دينك اعمل بما تستطيعه منه:

فإنما يراد العلم لأجل العمل ولا تكلف نفسك ما لم يوجبه الله عليك من الواجبات في حدود قدرتك واستطاعتك، فقد قال تعالى: «لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ...» (البقرة:286)، وقال سبحانه: «...لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ...» (الطلاق:7)، وقال النبي (ص): «وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم» متفق عليه، ولا تتأثم ولا تشعر بالحرج في ترك ما عجزت عنه من واجبات الدين فإنه (لا واجب مع العجز)، وقال تعالى: «...يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ...» (البقرة:185)، وقال النبي (ص): «سددوا وقاربوا وأبشروا» رواه البخاري، ومعنى (سددوا) أي الزموا السداد وهو الكمال، فإن لم تستطيعوا (قاربوا) أي اقتربوا منه، ومع ذلك (أبشروا). وإذا سمعت بنافلة من النوافل أو دعاء أو طاعة من الطاعات فاعمل بها ولو مرة في العمر لتكون من أهلها يوم القيامة، ولتدعى مع أهلها يوم القيامة، ذكر هذا النووي رحمه الله في مقدمة كتابه (المجموع). ونحن في زمان طاعاتنا فيه قليلة ولا ندري أيقبلها الله أم لا؟ وذنوبنا كثيرة ولا ندري أيغفرها الله أم لا؟، فلا تكثر من الذنوب وداوم على الاستغفار، ولا بد للمسلم من أن يجاهد نفسه ويغيرها وفق مراد الرب سبحانه: «... إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ... (الرعد:11)، فإن قام بذلك أفلح وإلا كان علمه وبالاً عليه كما في الحـديث الصـحيح: «والقـرآن حجـة لك أو عـليك» رواه مسـلم. وقـد قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ...» (العنكبوت:69)، وفي شرحه لكتاب الرقاق بالبخاري نقل ابن حجر عن الإمام القشيري عن شيخه أبي علي الدقاق قوله: (من لم يكن في أوله صاحب مجاهدة لن يجد من هذا الطريق شمة) من (فتح الباري ج11) وقال النبي (ص) لعائشة رضي الله عنها: «أجرك على قدر نصبك» الحديث متفق عليه.

المبني على الفاسد فاسد

3) لا تفعل ما لا يحل لك لتؤدي ما لا يجب عليك:

كالذي يسرق ليتصدق، أو كالذي يسطو على أموال الآخرين لتمويل الجهاد، فالكل غير مقبول عند الله، وقال تعالى: «... إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ»(المائدة:27)، وفي الصحيح قال النبي (ص): «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا» رواه مسلم، وقال تعالى: «... وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُواْ الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ...» (البقرة:189). والقاعدة الفقهية أن (المبني على الفاسد فاسد).

4) اعلم أن الحكم الشرعي لا يترتب على السبب وحده:

بل لا بد من النظر في الشرط والمانع بحسب قاعدة (يترتب الحكم على السبب إذا توافر الشرط وانتفى المانع)، كامتلاك النصاب (سبب لحكم) وجوب الزكاة فيه، إذا (توافر الشرط) ومنه حَوَلان الحول في النقدين وعروض التجارة والأنعام (وانتفى المانع) كالدين المستغرق للنصاب، وهذه القاعدة عامة في معظم أحكام الشريعة ومنها الجهاد قد يوجد سبب وجوبه ولا يجب على فرد معين للعجز أو لعدم النفقة ونحو ذلك، فلا يجوز ترتيب الأحكام بمجرد أسبابها، إلا بعد النظر في الشروط والموانع وقد سبق في البند الثاني بيان الفرق بين الوجوب المطلق وبين الوجوب على المعين. فلا تتعجل في إصدار الأحكام على الناس فهذا من علامات الجهل.

5) لا تكتفِ برأيك في أمورك:

وما أنت مقدم عليه، واستشر من هم أعلم منك وأكثر منك خبرة وأكبر منك سنا من الأمناء، وفي الصحيح لما أشكل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه هل يدخل الشام أم لا في عام الطاعون (18هـ)؟ لم يشر عليه بالرأي السديد من كل من استشارهم إلا أهل الخبرة من كبار السن (وهم مَشيخة قريش من مُسلمة الفتح) وذلك قبل أن يبلغهم الخبر المرفوع من عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، والحديث بطوله متفق عليه.

السمع والطاعة

6) لا تسلم عقلك لغيرك بدعوى السمع والطاعة:

فإنك إن أخطأت لن يحمل أحد وزرك يوم القيامة فقد قال الله تعالى: «كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ «(المدثر:38)، وقال تعالى: «ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ (18) يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ (19)» (الانفطار:18، 19)، عقلك هو جنتك ونارك قال تعالى: «وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (10) فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقاً لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ (11) «(الملك:10، 11)، وما فضل الله الإنسان على الحيوان إلا بالعقل لينظر به في العواقب الدنيوية والأخروية، لا ليدبر به أموره الحاضرة فقط، فإن الحيوان يدرك ذلك ويعرف ما يضره وما ينفعه في الحالة الحاضرة... فلا تلغ عقلك بدعوى السمع والطاعة إن كنت في جماعة إسلامية، وإذا أمرك مسؤولك بشيء لا تراه خيرا فلا تطعه، فقد قال محمد بن الحسن الشيباني رحمه الله ما حاصله: (إن من أطاع أميره فيما مضرته ظاهرة كان فاسقًا، لأن أميره إنما يستخف عقول أتباعه)، واستدل لذلك بقوله تعالى: «فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) «(الزخرف:54)، من كتابه (السير الكبير)، وفي المسألة حديث سرية عبد الله بن حذافة رضي الله عنه، وقال النبي (ص): «إنما الطاعة في المعروف» رواه البخاري، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: (كنا إذا بايعنا رسول الله (ص) على السمع والطاعة يقول لنا «فيما استطعتم») متفق عليه، ولا تقبل فتوى بعمل إلا من مؤهل للفتوى كما ذكرته.

واعلم أن السمع والطاعة هما في الأصل لله وللرسول (ص) أي للدليل الشرعي من الكتاب والسنة لا لشخص الأمير، ولهذا أمر الله بالرجوع إلى الدليل عند التنازع مع ولاة الأمور وغيرهم قال تعالى: «... فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ ...» (النساء:59).. فلا تقبل أمرًا يخالف الشريعة، وإن كان أميرك أو مسؤولك فقيرًا في العلم الشرعي فلا تقبل منه شيئًا تستريب فيه إلا بفتوى من مؤهل لذلك.. وفي الحديث «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» حديث صحيح. لأن مثل هذا الأمير حكمه كالعامي يجب عليه أن يستفتى أهل العلم ويسألهم لا أن يفتى غيره.

فلا تَلْغِ عقلك، ولا تتبع زعماء الميكروفونات وأبطال الإنترنت الذين يُطيّرون البيانات المحرضة للشباب في الوقت الذي يعيشون فيه في حماية أجهزة مخابرات أو في حماية قبيلة أو في مغارة نائية أو في لجوء سياسي لدى دولة كافرة، وهم يُجعجعون في الميكروفونات وعلى الإنترنت ويقودون الناس بالجملة إلى القبور وإلى السجون وهم في مأمن، بخلاف ما كان عليه النبي (ص) من قيادة جيش المسلمين بنفسه في أغلب الأحوال حتى كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون: (كنا إذا اشتد البأس وحَمى الوطيس اتقينا برسول الله (ص) أما هؤلاء فإنهم إذا اشتد البأس يفرون عن نسائهم وعيالهم وأتباعهم ويتركونهم فريسة لبطش الكافرين وانتقامهم، وهم مع ذلك لا يستحيون ومازالوا يجعجعون. فليكن قولك أيها المسلم لزعماء الميكروفونات الجاهلين بالشريعة إذا حرّضوك أن تقول لهم: (إذا كنت إمامي فكُن أمامي)، فهكذا كان النبي (ص) مع أصحابه رضي الله عنهم. وأحذر من هؤلاء الحمقى الذين دمّروا إمارة إسلامية كانت قائمة ومن وراء ظهر أميرها ثم يتاجرون بعد ذلك بالقضية الفلسطينية والتي صارت - ومنذ زمن - ورقة توت يستر بها المفلسون عوراتهم وورقة (يانصيب) في يد الانتهازيين والأفاكين يجنون من ورائها المكاسب والبطولات لدى المغفلين. فهل يفعل هذا إلا الحمقى يُضيعون إمارة إسلامية ويبحثون بعد ذلك عن فلسطين، وقد قال شيخ الإسلام: إن حفظ رأس المال مقدم على طلب الربح باتفاق العقلاء، هذا حاصل كلامه، وكذلك القاعدة الفقهية تنص على أنه (لا يُترك معلومٌ لمجهول)، أما هؤلاء الحمقى فأضاعوا رأس المال المعلوم وهي الإمارة الإسلامية التي كانت قائمة ثم يطلبون فلسطين بالجعجعة والبيانات.

الجهلاء يشعلون الحرائق

واحذر أيها المسلم من الجهلاء الجبناء الذي يُشعلون الحرائق في كل مكان، ثم يهربون ويتركون غيرهم من آلاف البشر يحترقون بها.

7) الوفاء بالعهد واجب:

قال تعالى:» وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً (34)» (الإسراء:34)، وقال تعالى: « يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ...» (المائدة:1)، وهذا واجب مع جميع الناس حتى مع الكفار والمشركين، فقد استوقف كفار قريش عند خروجهم إلى بدر حذيفة بن اليمان وأباه رضي الله عنهما ولم يخلوا سبيلهما إلا بعدما تعهدا لقريش أن لا يقاتلوهما، ثم لقيا النبي (ص) بعد ذلك عند بدر فأجاز ذلك وأمرهما بالوفاء، ولم يشاركا في غزوة بدر (الحديث رواه مسلم) وفي معناه ما قاله الحصكفي في (الدر المختار) من أنه يجوز الصلح مع العدو على ترك الجهاد، وقال شارحه ابن عابدين في (حاشيته ج4) (إن هذا بحسب مصلحة المسلمين وحاجتهم لذلك) أ.هـ، ونقض العهد من الكبائر ومن خصال النفاق «وإذا عاهد غدر» كما في الحديث الصحيح، والعهود يجب الوفاء بها إذا كانت على ما يجوز شرعًا لا على ما يحرم، لقول النبي (ص): «المسلمون على شروطهم» رواه الترمذي وصححه ولما ورد في الحديث الصحيح: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط» متفق عليه، ومما يجوز شرعًا أن من التزم وتعهد بعدم الصدام مع السلطات الحاكمة وقواتها في بلده وجب عليه الوفاء بذلك. ولا ينبغي أن يعتبر تعهده من باب: «الحرب خدعة» متفق عليه، وقد قال النبي (ص): «إنا لا يصلح في ديننا الغدر» متفق عليه.

العهود والمواثيق

والعهود والمواثيق والشروط بين الناس جائزة في الجملة إذا كانت على ما يجوز شرعًا قال تعالى: «وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ...» (النحل:91)، وقال تعالى - عن يعقوب عليه السلام -: «قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِّنَ اللّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)» – إلى قوله تعالى – « قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُواْ أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُم مَّوْثِقاً مِّنَ اللّهِ وَمِن قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّىَ يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)» (يوسف: 66-80).