من المهم أن نعرف كذلك أنه لا يوجد شيء اسمه حل غير دستوري لمجلس الأمة. هناك حل دستوري، وهناك تعطيل للدستور. وهذا الدستور كالآلة التي لها زر واحد، حين نضغطه للإيقاف فإننا نوقف هذه الآلة بجميع موادها، وعلى رأسها مواد الباب الأول التي ترتبط بالدولة ونظام الحكم.سأفترض أن من يدفعون باتجاه ما يسمى بالحل غير الدستوري لمجلس الأمة، وتعطيل الحياة النيابية لبضع سنوات، يفعلون ذلك بالفعل ظناً منهم بأنها الوسيلة الوحيدة لإعادة الكويت إلى طريق التنمية كي تستعيد نهضتها السابقة، وسأتجاهل أي فكرة تقول إنها رغبة للتخلص من الدستور، لأن من بين هؤلاء من يرون فيه أصلا غلطة تاريخية ارتكبها الشيخ عبد الله السالم، وقد وجدوا اليوم في الأوضاع المتأزمة والاستياء الشعبي المتعاظم من كل شيء وعلى رأس الأشياء أداء مجلس الأمة، أقول قد وجدوا في هذا فرصة سانحة للانقلاب على الدستور وتعطيله.
وسأعترف في الوقت ذاته بأنني لا أعول على تورع هؤلاء عن الدفع باتجاه تعطيل الدستور ولا استند كثيراً إلى المجهود الشعبي في التصدي لهم، فقد سبق أن عطل الدستور مرتين، ولم يحصل أي شيء لم يستطع النظام التعامل معه، اضافة الى أن الدستور معطل أصلاً وبشكل غير مباشر في جوانب مختلفة منه دون حتى مجرد الإدراك الشعبي الحقيقي لهذا الأمر، سواء من خلال البرلمان أو عبر قواه السياسية!
لكن يخطئ هؤلاء الدافعون باتجاه تعطيل الدستور خطأً جسيماً إن هم اعتقدوا بأن الحكومة ستكون قادرة على إصلاح الأمور عند حل البرلمان، لأنها ستتخلص من إزعاجه وتهديداته ومشاغباته المستمرة، فسجل الأداء الحكومي لا توجد فيه إنجازات باهرة يمكن الاعتداد بها، حتى في فترات الحل غير الدستوري للبرلمان!
إن فشل الأداء الحكومي هو فشل أصيل نابع من داخلها، وليس حاصلاً بسبب تدخل البرلمان والحريات السياسية والصحفية، فآليات اختيار الوزراء الهزيلة، وضعف القرار، وعدم جدية المحاسبة للمسيئين والمخطئين، وشيوع الفساد والتنفيع، وتدخلات الأطراف النافذة من خارج الهيكل الحكومي المعلن في آليات صنع القرار وتسيير المشاريع، وغير ذلك الكثير، هي التي أدت في مجملها إلى هذا الفشل الحكومي المزمن. وهذه الأشياء لن تختفي إن هو حل البرلمان حلاً غير دستوري، بل ستستشري وتتكاثف، وستتجرد الحكومة حينها حتى من القدرة على التذرع بأن البرلمان هو الذي يعيقها وستسقط ورقة التوت الأخيرة عنها لتنكشف أمام الشعب وجهاً لوجه!
ومن المهم أن نعرف كذلك أنه لا يوجد شيء اسمه حل غير دستوري لمجلس الأمة. هناك حل دستوري، وهناك تعطيل للدستور. وهذا الدستور كالآلة التي لها زر واحد، حين نضغطه للإيقاف فإننا نوقف هذه الآلة بجميع موادها، وعلى رأسها مواد الباب الأول التي ترتبط بالدولة ونظام الحكم.
قد لا يشعر بعضهم بخطورة الأمر، لكن الحقيقة أن تعطيل الدستور هو إيقاف لقلب الكويت النابض، وإفقاد لشرعيتها داخلياً، والأخطر من ذلك خارجياً أمام بقية الأمم، فالدستور هو الوثيقة الوحيدة التي تقول إن الكويت دولة عربية مستقلة ذات سيادة تامة، وهي التي تقول إنها إمارة وراثية في ذرية المغفور له مبارك الصباح، وهي التي تقول إن نظام الحكم في الكويت ديموقراطي، السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً.
تعطيل الدستور هو تعطيلٌ لهذا ولمئة وثمانين مادة أخرى حواها الدستور، وجعل للكويت ريشة في مهب الريح ستتخطفها النوائب من الداخل والخارج!