Ad

الوزير، وليس مجلس الوزراء، هو من يرسم السياسة العامة للحكومة في وزارته، ولأن فترة بقاء الوزراء في مناصبهم قصيرة، فإن السياسات الحكومية لا تستمر طويلاً وسريعة التغير!

«يا معود لحق ترى بكره يغيرون القانون وما تدري شيصير»... أو «من صجك ستدفع فواتير الكهرباء، أجلها لأنك ما تدري يمكن الحكومة تسقط بعضها مثل ما سوّت قبل مدة»... كثيراً ما يردد المواطن هاتين العبارتين ويتصرف بناء عليهما، والسبب أن السياسات الحكومية غير مستمرة ودائمة التغير. فما توافق عليه الحكومة اليوم من الممكن أن يتغير 180 درجة غداً. ولذلك فإن ثقة أغلبية المواطنين في السياسات الحكومية غير كبيرة. وهذا ما يجعلهم غير مبالين في أحيان كثيرة بما تقرره الحكومة.

وفي اعتقادنا، أن مرد ذلك هو غياب الرؤية الاستراتيجية للحكومة، فالسياسة العامة توضع استناداً إلى وتنفيذاً لخطة استراتيجية ذات أبعاد تنموية، تمثل رؤية الحكومة كيفية إدارة التنمية خلال فترة ولايتها وما يتطلبه ذلك من سياسات وبرامج عامة. لذا فإن تغير أحد الوزراء من المفروض ألا يغير الرؤية الاستراتيجية للحكومة ولا يبدّل السياسات العامة التي تتبناها. فمجلس الوزراء، وليس الوزير، هو المسؤول عن رسم السياسة العامة للحكومة ومتابعة تنفيذها (مادة 123 من الدستور). وما يقوم به الوزير هو تنفيذ للسياسة الحكومية في وزارته (مادة 130).

إن غياب هذه الرؤية الاستراتيجية يجعل السياسات الحكومية تُرسم في الغالب بحسب رؤية أو حتى وجهة نظر الوزير الشخصية، وسرعان ما تتغير جذرياً بمجرد تغير شخص الوزير. والطريف أن الحكومة توافق كل وزير على رؤيته الشخصية وتتبناها كسياسة عامة معلنة، مما يعني أن الوزير، وليس مجلس الوزراء، هو من يقوم برسم السياسة العامة للحكومة في وزارته، ولأن فترة بقاء الوزراء في مناصبهم قصيرة، فإن السياسات الحكومية لا تستمر طويلاً وسريعة التغير!

الأمثلة على ذلك كثيرة، ولكننا سنكتفي هنا بذكر اثنين منهما فقط، هما:

الأول، يتعلق بالسياسة الإسكانية، فكلنا نتذكر ما سُمي في حينه المنظور الإسكاني الذي تبناه الدكتور عادل الصبيح لحل المشكلة الإسكانية ودافعت عنه الحكومة أثناء الاستجواب الذي وجه إليه في ذلك الوقت بسبب هذا المنظور، ولكن بعد ذلك بفترة قصيرة ونتيجة للتغيير الوزاري، تخلت الحكومة نفسها، بسبب تغير شخص الوزير، عن هذه السياسة وتبنت سياسة إسكانية أخرى جديدة طرحها الوزير فهد الميع وكانت مغايرة تماماً للمنظور الإسكاني. ثم تغير الوزير فتغيرت السياسة الإسكانية، وهكذا حتى الآن.

أما المثال الآخر فيتعلق بالسياسة الإعلامية، فكل وزير له سياسة إعلامية مختلفة عن سلفه لذلك فالحكومة لها مع كل وزير سياسة إعلامية جديدة. فالدكتور أنس الرشيد تبنى استقلالية وكالة الأنباء، وتفكيك الوزارة ووافقته الحكومة، لكن ما إن تسلم الوزارة السيد محمد السنعوسي بعد ذلك بفترة قصيرة حتى انتقد وألغى سياسة سلفه، ووافقته الحكومة أيضاً. كما قام السيد السنعوسي بتشكيل لجنة لإعادة هيكلة قطاع الإعلام الخارجي والمكاتب الإعلامية، أُعلن على أثرها أن سياسة الوزارة الإعلامية سترتكز على إلغاء المكاتب الإعلامية الخارجية وستكتفي بملحق إعلامي تابع للسفارة، وتبنت ذلك الحكومة، وبوشر في عملية تطبيق هذه السياسة، ولكن ما إن استقال الوزير وتسلم الوزارة السيد عبداللة المحيلبي حتى أعلن تغيير السياسية الإعلامية الخاصة بالإعلام الخارجي، مؤكدا أن المكاتب الإعلامية ستبقى كما هي في السابق وأيضاً وافقته الحكومة!

فهل نلوم المواطن بعد ذلك إن اهتزت ثقته في السياسات الحكومية؟