شقيقتان لا يجوز الجمع بينهما

نشر في 12-04-2008
آخر تحديث 12-04-2008 | 00:00
 إيمان علي البداح

لا يمكن بأي صورة من الصور الجمع بين العمل السياسي والعمل في مجال حقوق الإنسان، فالملتزم الحق بحقوق الإنسان هو مدافع حرية خال من أي طموح سياسي لأن الجمع بين الاثنين سيكون على حساب حقوق مجموعة ما، ولأن النجاح في الدفاع عن حقوق الإنسان يتطلب أمانة ونزاهة وسمعة طيبة غالبا ما تتلطخ بالعمل السياسي بشكل أو بآخر.

تنص المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948 على أن «لكل إنسان حق التمتع بكل الحقوق والحريات الواردة في هذا الإعلان، دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، دون أي تفرقة بين الرجال والنساء، وفضلاً عما تقدم فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد...». وتعد هذه المادة تحديدا والإعلان بشكل عام الحد الأدنى لمطالب الناشطين في مجال حقوق الإنسان سواء كانوا أفراداً أو منظمات مثل منظمة العفو الدولية و«محامون من أجل حقوق الإنسان» ومراقبي حقوق الإنسان.

ومن التعريفات الأكاديمية للسياسة أنها «العملية الاجتماعية لاتخاذ القرار» أو «الوسائل والتكتيكات المستخدمة لإدارة سلطة أو حكومة ما». وبطبيعة التعريف فإن أي «عملية اجتماعية» تتضمن تلقائيا بعضاً (وأحيانا الكثير) من التغاضي عن حقوق أو آراء الأقليات، كما أن «التكتيكات» تتطلب طبيعيا مفاوضات وتنازلات مرحلية أو استراتيجية للوصول إلى الغرض الأساسي وهو السيطرة والسلطة. لذا فإن الناشط في المجال السياسي مهما كانت درجة إيمانه أو إخلاصه لابد أن يقدم تنازلات في مرحلة من مراحل صعوده إلى السلطة ولابد أن يستثني أو يتغاضى أحيانا عن حقوق بعضهم للبقاء في السلطة.

لذا لا يمكن بأي صورة من الصور الجمع بين العمل السياسي والعمل في مجال حقوق الإنسان، فالملتزم الحق بحقوق الإنسان هو مدافع حرية خال من أي طموح سياسي لأن الجمع بين الاثنين سيكون على حساب حقوق مجموعة ما (في الأغلب من الأقليات) ولأن النجاح في الدفاع عن حقوق الإنسان يتطلب أمانة ونزاهة وسمعة طيبة غالبا ما تتلطخ بالعمل السياسي بشكل أو بآخر.

ولنا في تاريخ العمل الإنساني القصير نسبيا في الكويت أمثلة واضحة في خطورة الجمع بين العمل من أجل حقوق الإنسان والطموح السياسي، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر تصريحات المحامي علي البغلي حول البدون أثناء التجمع لدعم العدساني لدى الفضالة وتحاشيه التدخل في القضايا التي قد تأخذ صبغات طائفية. وكذلك موقف النائب وليد الطبطبائي أثناء رئاسته للجنة حقوق الإنسان البرلمانية من قضايا حقوق المرأة والحريات الشخصية وحرية التعبير، وضعف موقف اللجنة البرلمانية ككل من حقوق المعتقلين في قضية أسود الجزيرة أو نايف العجمي أو معتقلي تأبين مغنية. ففي كل هذه الأمثلة ضعُف إن لم يتلاشَ الدفاع عن أساسيات حقوق الإنسان بسبب المصالح السياسية والإيديولوجيات والانتماءات الحزبية والحسابات والاعتبارات الشخصية.

لذا يتوجب على جمعيات ولجان وروابط حقوق الإنسان وضع شروط انتساب دقيقة، وخط مواثيق آداب للعمل الإنساني بشكل واضح غير قابل للبس حتى لا تكون حقوق الأقليات والمستضعفين هي الضحية. أما بالنسبة للجنة حقوق الإنسان في مجلس الأمة فهي الأحوج لميثاق واضح يلتزم به كل أعضائها -وبالأخص رئيسها- بالتصويت والدفاع عن حقوق الإنسان الأساسية داخل وخارج اللجنة بغض النظر عن الميول والآراء الشخصية، ويحاسب على أساسها من يميز بين البشر حسب الرأي أو الانتماء السياسي أو الجنس أو... إلخ.

سؤال بريء: تنص المادة الثلاثون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه «ليس في هذا الإعلان نص يجوز تأويله على أنه يخول لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف إلى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه»... فما السند القانوني لانتهاكات حقوق الإنسان المنظمة في كل الدول الموقعة على الإعلان؟

back to top