لعن الله هكذا ديموقراطية!
إن الشعب العراقي الذي لعب دوراً رئيساً في المسيرة الحضارية للبشرية كلها منذ بدء الخليقة حتى الآن، يستحق نظاماً أفضل من نظام صدام حسين وأفضل من كل أنظمة الانقلابات التي تناوبت عليه منذ عام 1958، وإن هذا الشعب الذي قدم للإنسانية على الأقل شرائع «حمورابي» ومعمار بابل وزمن هارون الرشيد والمأمون، يستحق ديموقراطية غير هذه الديموقراطية.
قبل أيام تحدث مسؤول عراقي، نصفُ مُلتحٍ، في ندوة في البحرين من بين حضورها وزير دفاع أميركي سابق، ولعل الذين شاهدوه، وهو يتحدّث هو يضع رجلاً فوق أخرى، لاحظوا أن لهجته استعلائية، وأنه يوجه الكلام إلى العرب، وكأنهم مذنبون أمام قاضٍ من نمط الحجاج بن يوسف الثقفي، فالوزير الكبير على ما يبدو أغراه الأمن المستتب في مملكة البحرين، حماها الله من كل مكروه، فترك لخياله العنان وكأنّ ما يحدث في العراق يحدث في كوكب آخر!!.قال إن العرب يغارون من الديموقراطية العراقية ويخشون عدواها، وقال إن تجربة العراق الفريدة تجعل الدول العربية «الدكتاتورية»! أو هكذا تسعى إلى وأدها، وبالطبع فإنه رعاه الله لم ينس أن يُبرّىء إيران من التدخل في شؤون العراق الداخلية، ولم ينس أيضاً أن يؤكد أنه لا وجود في بلاده لأي مشاكل وإشكالات لا طائفية ولا مذهبية. يا سلام... لتحيا هذه الديموقراطية و«ليخسأ الخاسئون» وحقوق الطبع بالنسبة لهذه الجملة الأخيرة محفوظة لغير المأسوف لا على شبابه ولا على كهولته صدام حسين الذي مع حلول هذا العيد المبارك يكون قد مرَّ على إعدامه، شنقاً حتى الموت، عام كامل. «وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ». لقد قال أحد الحضور من محاوري هذا المسؤول العراقي الكبير، «النِّصف ملتح» من قبيل إشهار هويته الطائفية، إنه لا فرق بين الديموقراطية مع الفوضى والاقتتال الداخلي واللصوصية وحكم الميليشيات واستشراء الفساد والدكتاتورية مع الهدوء والأمن والاستقرار، إذْ إن هاتين الحالتين هما وجهان لعملة واحدة، فالاستقرار مع القمع جريمة والفلتان وإراقة الدماء تحت ظلال الديموقراطية جريمة أكبر.لا صدَّام حسين ولا نظامه الشمولي والقمعي أفضل من هذه الحالة السائدة الآن، ولا الأوضاع المزرية التي يعيشها العراقيون في مرحلة من أكثر المراحل التي مرَّ بها العراق سواداً هي المرحلة الحالية أفضل مــن نظام «أم المعارك»، فالخلُّ أخو الخردل وهذا أسوأ من ذلك والسيىء لا يبرر الأسوأ منه.إن الشعب العراقي الذي لعب دوراً رئيساً في المسيرة الحضارية للبشرية كلها منذ بدء الخليقة حتى الآن يستحق نظاماً أفضل من نظام صدام حسين وأفضل من كل أنظمة الانقلابات التي تناوبت عليه منذ عام 1958، وإن هذا الشعب الذي قدم للإنسانية على الأقل شرائع «حمورابي» ومعمار بابل وزمن هارون الرشيد والمأمون، يستحق ديموقراطية غير هذه الديموقراطية التي نسأل الله العلي القدير أن «يكفينا شرها» وألا يذيق أي شعب عـربي آخر طعم العلقم الذي هو طعمها!!.يجب أن يكون بديل صدام حسين ونظامه شيئاً آخر... شيئاً يشبه ما هي عليه منطقة كردستان العراق التي تشكل أنموذجاً يجب أن تحتذيه وتقلده المناطق العراقية كلها رغم بعض العيوب والنواقص... أما هذه الديموقراطية، التي أعادت العراق إلى العصور الوسطى، حيث الأقليات تُضطهد، وحيث المرأة «ضلعٌ قاصر»، وحيث حاميها حراميها، وحيث الدولة هي الميليشيات المسلحة، فلعنة الله عليها ولا أمدَّ العليُّ القدير في عمرها ولا في عمر من جاء بها إلى هذا البلد الذي لم يلتقط أنفاسه في كل تاريخه إلا لفترات عابرة قصيرة. * كاتب وسياسي أردني