يجب ألا تنجر الحكومة وراء المطالبة بإيجاد «حل لمشكلة» إزالة الديوانيات المخالفة، إذ ليست هناك مشكلة حتى يتطلب حلها، فكل ما في الأمر هو أن هناك مَن تعدى على أملاك الدولة، وعليه فإن من واجب الحكومة رد الاعتبار للدولة على الأقل إن لم يكن مشفوعاً بعقوبة.كما نردد أن لعبة خلط الدين بالسياسية خطيرة جداً، فإن السماح للأعراف والتقاليد الاجتماعية بأن تطغى على هيبة القانون وتطبيقه لا يقل خطورة، فالإثنان يؤديان إلى مسح مفاهيم المواطنة والدولة المدنية وإحلال الفوضى والمصلحة الشخصية مكانهما. أقول ذلك كوني مواطناً لا يخيب ظنه في فساد كثير من نوابه كالذين تصدروا الصحف مطالبين بوقف إزالة الديوانيات المتعدية على أملاك الدولة.
لقد «تفنن» بعض النواب بابتداع الأعذار والتبريرات المبنية على الأعراف الاجتماعية، والمشكلة في ذلك هي أنه لو ترك تطبيق القانون لانتقائية الأفراد والأعراف الاجتماعية التي تختلف من بيت لآخر، ولو أعطت الحكومة المجال حتى لمناقشتها في المجلس كما يطالب النواب، فإن ذلك يفتح الباب في المستقبل لتبرير الامتناع عن ردع القاتل والسارق والمرتشي والمخالف، مثلما لم يجد هؤلاء النواب صعوبة في تبرير مخالفاتهم، فـ«الإخوان» ابتدعوا تبريراً دينياً لمشاركة بعضهم في جريمة الانتخابات الفرعية، وآخرون جعلوا من تخليص المعاملات استثماراً انتخابياً مربحاً، وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
حسب الدستور، فإن مجلس الوزراء هو المهيمن على مصالح الدولة، وإزالة تلك التجاوزات هي أقل ما يمكن أن تقوم به الحكومة لبناء الهيبة التي تنقصها، لذلك يجب ألا تنجر وراء المطالبة بإيجاد «حل للمشكلة»، إذ ليست هناك مشكلة حتى يتطلب حلها، فكل ما في الأمر هو أن هناك مَن تعدى على أملاك الدولة، وعليه فإن من واجب الحكومة رد الاعتبار للدولة على الأقل إن لم يكن مشفوعاً بعقوبة. وإن كانت الحكومة تتحمل مسؤولية التقاعس عن ردع المتجاوزين في السابق، فإن قبول الحكومة بتبرير الخطأ بخطأ آخر يحملها مسؤولية أكبر، إذ عليها أن تستذكر أن التبريرات ذاتها سيقت عند مناقشة تحصيل فواتير الكهرباء التي رضخت الحكومة لإسقاطها، فلم تجن من ذلك إلا مزيداً من التطاول على المال العام وأملاك الدولة، لدرجة أننا في زمن لم يجد فيه بعض النواب حرجاً من التصريح بالصحف لـ«وقف إزالة الديوانيات المخالفة».
Dessert
كيف يتوقع هؤلاء النواب أن يحترم الناس القوانين التي يشرعونها إذا كانوا هم يحرضون على كسرها؟ وكيف يتوقعون أن يكونوا جديرين بالاحترام إن كانوا هم قد نكثوا قسمهم على احترام الدستور وقوانين الدولة؟