Ad

إن أكبر خطأ ارتكبه الذين اعتبروا أنفسهم أنهم هم المنتصرون هو تحميل «السنّة العرب» مسؤولية جرائم النظام السابق، وهو التصرف مع الوقائع المستجدة بعد القضاء على نظام صدام حسين على أساس ضرورة انتزاع السلطة من يد هذه الفئة العراقية التي بقيت تحكم العراق طويلا.ً

الاجتماع الذي عقده أقطاب المعادلة السياسية العراقية الجديدة في بغداد يوم الأحد الماضي وأعلنوا في نهايته مبادرة «المصالحة الوطنية» التي أعلنوها كان يجب أن يعقدوه قبل أربعة أعوام، أي بعد سقوط نظام صدام حسين مباشرة، فخلال الفترة منذ العام 2003 حتى الآن طرأت مستجدات كثيرة وتضاعف حجم كرة الثلج الساقطة من فوق قمة الجبل آلاف المرات وتجسدت وقائع يحتاج تغييرها إلى ما هو أصعب من خَرْطِ القتاد ونقْفِ الحنظل.

لم يفعل أقطاب المعادلة العراقية الأساسيون هذا، وهم انشغلوا عن استشراف المستقبل والاستعداد لمواجهة مفاجآته واستحقاقاته بتقاسم الغنائم وبإرساء قواعد محاصصة حكمت سير الأحداث خلال الأعوام الأربعة الماضية وكانت النتيجة أن العراق قد تمزق على هذا النحو وأنه تحول إلى ساحة اقتتال لتسوية الحسابات الإقليمية والدولية المعروفة.

ما كان يجب أن يحدث ما حدث وما كان يجب التعامل والتعاطي مع «السنّة العرب» على أنهم الطرف المهزوم وأن المـُكوّنين العراقيين الآخرين، أي الشيعة والأكراد، هم المنتصرون وما كان يجب أن تكون «المحاصصة» على هذا الأساس وذلك لأن توزيع الغنائم انطلاقاً من استهداف السنّة العرب هو الذي أوصل الأمور إلى ما وصلت إليه، وهو الذي فتح أبواب العراق على مصاريعها للتدخلات الخارجية!!

إن أكبر خطأ ارتكبه الذين اعتبروا أنفسهم أنهم هم المنتصرون هو تحميل «السنّة العرب» مسؤولية جرائم النظام السابق، وهو التصرف مع الوقائع المستجدة بعد القضاء على نظام صدام حسين على أساس ضرورة انتزاع السلطة من يد هذه الفئة العراقية التي بقيت تحكم العراق ليس منذ إنشاء الدولة العراقية الحديثة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، انما منذ أن دحر العثمانيون الغزو الصفوي المعروف، بل منذ أن فُتحتْ بلاد الرافدين من قبل الجيوش العربية–الإسلامية.

لو أن الذين اعتبروا أنفسهم أنهم هم المنتصرون تصرفوا بغير الطريقة التي تصرفوا بها، فإنه ما كان بإمكان إيران أن تصبح دولة محتلة إلى جانب الاحتلال الأميركي، وربما أهم منه أنه ما كان من الممكن أن يصبح العراق ساحة عراك لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية، وأيضاً فإنه ما كان من الممكن أن تسيل هذه الدماء كلها التي سالت، وأن يحصل كل هذا التدمير الذي حصل وأن تصبح بلاد الرافدين، على غرار أفغانستان في عهد دولة طالبان، مصدرة للإرهاب بأنواعه وأشكاله جميعها.

في كل الأحوال لقد حصل ما حصل... ويبقى أن السؤال الذي يجب طرحه بعد اجتماع أقطاب المعادلة السياسية العراقية الأخير وإطلاق مبادرة «المصالحة الوطنية» التي أطلقوها هو: هل اقترب ليل العراق الطويل من نهايته؟ وهل بدأت هذه المأساة تضع أقدامها على بداية طريق الخلاص؟!

للأسف، فإن الجواب هو على غير هذا التفاؤل... فمبادرة «المصالحة الوطنية» الجديدة قد جاءت متأخرة جداً، وهي في حقيقة الأمر مجرد قفزة وهمية في الهواء، ثم ان هناك الاحتلال الإيراني الذي غدا سافراً ومكشوفاً وهناك التدخلات الخارجية الكثيرة، وهناك القضايا العالقة المختلف عليها وعلى رأسها قضية النفط وقضية كركوك، وهناك أيضاً الصراع المحتدم بين واشنطن وطهران على الملف النووي وعلى غيره، وهناك الشعور بالظلم وبالاستفراد الذي عاشه السنّة العرب، ومازالوا يعيشونه، رغم المشاركة الخجولة للحزب الإسلامي في اجتماع يوم الأحد الماضي.

*كاتب وسياسي أردني