Ad

لا نجد عذراً لموظف يلجأ إلى نائب في مجلس الأمة باعتبار أنه ظُلِم في قرار صادر من الوزير أو المدير، بدلاً من اللجوء إلى القضاء للطعن في مثل هذه القرارات، لتصبح هذه القرارات محوراً من محاور كل استجواب يوجهه نائب إلى أحد الوزراء، والموظف يعلم يقيناً، أن الطعن في القرار أمام القضاء بالإلغاء، هو الأجدى نفعاً والأبلغ أثراً من أي استجواب.

لا يمكن أن نجد عذراً لموظف لا يلجأ إلى القضاء للطعن في قرار إداري صادر بحقه، مخالف للقانون، أو في قرار صدر بإسناد منصب لغيره، كان هو الأحق به، وفقاً لمعايير الأقدمية والكفاءة، وللشروط التي يتطلبها القانون، أو في قرار إقصائه من منصبه بسبب دوافع شخصية لدى الوزير دفعته إلى الانتقام منه أو لرغبة الوزير في إحلال غيره من ذوي الحظوة محله.

ولا نجد عذراً لمثل هذا الموظف الذي يلجأ إلى نائب في مجلس الأمة، بدلاً من اللجوء إلى القضاء للطعن في مثل هذه القرارات، لتصبح هذه القرارات محوراً من محاور كل استجواب يوجهه نائب إلى أحد الوزراء، والموظف يعلم يقيناً، أن الطعن في القرار أمام القضاء بالإلغاء، هو الأجدى نفعاً والأبلغ أثراً من أي استجواب، إن كان له أصل حق في ما ينعيه على القرار من مثالب ومخالفة للقانون، لأن الحكم الذي سوف يصدر من القضاء بإلغاء القرار، سوف يعدم كل أثر له، وسوف يعيد إلى الموظف حقوقه كاملة ويرد إليه اعتباره كاملاً، وهو ما لا يمكن أن يحققه له الاستجواب، حتى لو نجح في طرح الثقة عن الوزير وإقصائه من منصبه، فالقرارات محور الاستجواب سوف تستقر وتستمر محمولة على الصحة حصينة من الإلغاء لفوات ميعاد الطعن فيها أمام القضاء.

ولا نجد تفسيراً لمسلك الموظف المذكور إلا إذا كانت مزاعمه باطلة لا تقوى على أن تقف على قدميها في ساحة القضاء، حين تنعقد المحكمة لتنظر في ما يدعيه الخصوم من أقوال وطلبات وفي ما استحضروه من أوراق ومستندات، وحيث يتاح للخصوم الوقت الكافي لإعداد دفاعهم وأسانيد ردهم، ليصدر في نهاية النزاع حكم هو عنوان الحقيقة في ما قضى به، ولا يبقى بعد ذلك إلا أن يكون قصد الموظف من الزج بهذه المزاعم في استجواب هو أرقى وأخطر وسائل الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية، بتحريكه المسؤولية السياسية ضد الوزير، هو الانتقام، فيجب أن يرد عليه نقيض قصده بعدم التفات الأعضاء عند طرح الثقة عن الوزير إلى مثل هذه القرارات التي تضمنتها بعض محاور الاستجواب.

ولكن الأمر لا يقتصر على الخلط بين الرقابتين البرلمانية والقضائية والذي يقع فيه الموظف قبل أن يقع فيه النائب، ولكنه يتعدّى هذا الخلط إلى قضايا دستورية، على جانب كبير من الأهمية والخطورة هي:

1 - أنه إذا كان الاستجواب حقاً دستورياً يستمده النائب من المادة 100 من الدستور، فإن الرقابة القضائية على أعمال السلطة التنفيذية في أعلى مراتبها، والمتمثلة في ولاية إلغاء قراراتها المخالفة للقانون، هي ولاية دستورية يستمدها القضاء من المادة 169 من الدستور، فكلاهما حق دستوري وكلاهما ولاية دستورية.

2 - إن ولاية القضاء بإلغاء القرارات الإدارية المخالفة للقانون هي الأكثر حماية للشرعية ولمبدأ سيادة القانون، وهي الأجدى والأكثر فاعلية.

3 - إن الغلو في الدفاع عما يعتبره الموظف العام حقاً له من خلال استخدام حق الاستجواب أو التلويح به، بنقل المنازعات بين الموظفين والإدارة إلى ساحة البرلمان، قد ينعكس سلباً على الوظيفة العامة وعلى أدائها، عندما يلجأ الموظفون في كل شاردة وواردة إلى نوابهم الذين انتخبوهم يلتمسون عندهم الحماية من خلال ما يوجهونه إلى الوزارة من أسئلة أو اقتراحات برغبة أو استجواب أو تلويح به، وهو ما يمكن أن يهدر المبدأ الدستوري القاضي بأن عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها، ويرعى المصلحة العامة، ولا سلطان لأي هيئة عليه في عمله بالمجلس أو لجانه (المادة 108) ويخالف الحظر الدستوري المنصوص عليه في المادة 115 في ما قضت به من أنه لا يجوز لعضو مجلس الأمة أن يتدخل في عمل السلطة التنفيذية.

4 - إن حلول الاستجواب محل الرقابة القضائية على القرارات الإدارية المخالفة للقانون يوقع الاستجواب في مأزق المخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات، في ما تنص عليه المادة 50 من الدستور من أنه «يقوم نظام الحكم على أساس فصل السلطات مع تعاونها وفقاً لأحكام الدستور، حين يصبح الاستجواب أو التلويح به وسيلة للتدخل في صميم عمل السلطة التنفيذية في المفاضلة بين المرشحين للوظائف المختلفة، وقد خص الدستور هذه السلطة في المادة 74 بتعيين الموظفين وعزلهم، بحكم كونها القوامة على المرافق العامة.