لأكثر من سبب، ولخطورة الوضع الذي نمر فيه نحن المسلمين من طنجة مروراً ببغداد وطهران وبيروت وغزة وكابول وصولا إلى جاكرتا، أريد اليوم الخروج عن المألوف في كتاباتي، لأنقل لكم حادثتين فقط على سبيل المثال لا الحصر وقعتا لي في التاريخ القريب، تعبران عن مؤشرات خطيرة، قد تجيب عن الاسباب الجوهرية لما نحن فيه من تفرقة قاتلة ومقيتة وفتن قومية مرة ومذهبية نتنة مرة اخرى، رغم التضحيات التي قدمتها وتقدمها الكتل الجماهيرية الكبرى المؤمنة في ارجاء العالم الاسلامي الكبير!

Ad

مرة وانا عائد من احدى زياراتي إلى البلاد العربية، وكان الزمان زمان حكم الرئيس محمد خاتمي - حفظه الله - وفي عز ما كانوا يسمونه بـ «انتفاضة» الطلبة التي حركها بعض المتطرفين والاستئصاليين ممن تدثروا بعباءة الرئيس يومها، ليشعلوا تلك الحوادث المفجعة، استوقفتني احدى موظفات الجمارك في مطار العاصمة لتقوم بعملها الروتيني المعتاد، آخذة جواز السفر تتصفحه، واذا بعينها تقع على محل ولادتي وهو النجف الاشرف، فقالت لي: من اين لك مثل هذه الوثيقة الايرانية؟!

قلت لها: سيدتي الفاضلة، عما تتحدثين واين محل استغرابك؟!

قالت: انت عراقي، فلماذا تحمل مثل هذه الوثيقة؟!

قلت: من اين لك هذا الاستنتاج؟! فأجابت: انت من مواليد النجف الاشرف، اذن انت عراقي؟!

وهنا علت نبرتي وأجبتها بغضب: وهل تقولين هذا الكلام لمن يأتي من الولايات المتحدة الاميركية من المواطنين الايرانيين، ممن قد يكونون من مواليد لوس انجلوس مثلا؟!

فارتبكت المسكينة وانتبهت لما وقعت فيه من خطأ، واطلقت سراحي على الفور!

وقتها كانت ارجاء جامعة طهران تعج بشعارات مبتذلة و«فتنوية» وعنصرية مقيتة، كان يحركها اولئك المتطرفون الآنفي الذكر، وكان عنوانها «اخرجوا هذا العراقي (هاشمي) من البلاد»، وكانوا يقصدون يومها رئيس السلطة القضائية الحالي آية الله هاشمي شاهرودي الذي كان لتوه قد عين في هذا المنصب!

ووقتها دارت نقاشات مثيرة حامية على اكثر من صحيفة اصلاحية، فيما اذا كان الرجل من ولادة مدينة شاهرود في ايران ام مدينة النجف الاشرف في العراق!

قبل ايام كنت في حوار ساخن مع السيد محمد علي ابطحي مساعد الرئيس السابق محمد خاتمي، في اطار برنامج «حوار مفتوح» الذي يقدمه الزميل غسان بن جدو، وكان الموضوع بشأن دلالات الانتخابات الايرانية الحالية، وكان رأيي بالطبع - كما هو معروف - بأن ما يجري انما هو صراع بين رؤيتين احداهما استئصالية ضيقة لا ترى من العالم الا حدود ايران الجمهورية، وهي الرؤية التي تمثلها اقلية متسلطة ومصادرة للرئيس الاصلاحي وشعار الاصلاحات، والتي كادت ان تجر البلاد إلى الكارثة والسقوط، لان عينها كانت دوما نحو الخارج الغربي ويمثلها امثال ابطحي ومن يشبهه في طريقة تفكيره، ممن يتدثرون بعباءة الرئيس خاتمي وهو براء منهم، واخرى اسلامية عالمية النظر تريد الدفاع عن الاسلام والمسلمين على امتداد العالم الاسلامي، لاسيما قضايا النضال العربي وفي طليعتها القضيتان الفلسطينية واللبنانية، وكان ما كان من نقاش حاد وساخن على الاثير حاول خلاله السيد ابطحي ان ينفي كل ما ادعيته!

لكن ابطحي لم يكذب خبرا، وما لم يجرؤ على قوله على الهواء وعلى مسمع الرأي العام العربي قاله في موقعه الالكتروني بعنصرية صريحة مقيتة ذكرتني بالعصبية النتنة التي نهى عنها رسولنا الكريم، وذلك عندما لم يجد ما يرد علي بالقول الا ان يقول ان هذا الحسيني انما هو من «الكتاب العرب»، وهو «عراقي الاصل»، وبالتالي «لا حرج على اقواله»!

وبقول ابطحي هذا اكتفي لاقول لاخوتي الايرانيين والعرب: هذا هو داؤنا الحقيقي! وهذه هي مصيبتنا! التي منها ينفذ اليوم الاميركي وغير الاميركي ممن يستنجد بهم البعض ليغرق بلادنا بمزيد من النظريات والسلوك العنصري والاستعماري المستورد، على حساب نظرية وحدة الامة الاسلامية التي كان يغضب منها امثال السيد ابطحي، وحاولوا حرف الرئيس المخلص محمد خاتمي عنها، وهم يحاولون اليوم صد الرئيس احمدي نجاد عنها ايضا، بل انهم يرون فيها احد اهم «ذنوب» احمدي نجاد الكبيرة التي لا تغتفر!

*الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني