Ad

فلسفة التعليم لا تأتي من فراغ، بل تأتي من نظرة القيادة المستقبلية والمخططات العامة للمجتمع والدولة والظروف المحيطة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. ولأن الدولة بأكملها تفتقر إلى نظرة مستقبلية واضحة، فإن التخبط الذي نراه في العملية التعليمية يصبح مفهوماً.

إصلاح العملية التعليمية يجب أن يتناول عناصرها كافة: المدرس، والطالب، والمنهج، والإدارة، والمستلزمات المادية الأخرى مثل الموقع والمبنى

والأجهزة.. إلخ. وفي المقال السابق تطرقنا إلى المعلم كأهم عنصر في هذه العملية، وخلصنا إلى أن تطوير المعلمين يتطلب إعادة النظر في عمليات الاختيار والتقييم لتتضمن قياس الدافع والكفاءة من حيث المعرفة والسلوك والمهارة، كما اقترحنا مراجعة نظم التعويضات لتعتمد أكثر على الحوافز المرتبطة بالأداء والتطور.

العامل التالي في الأهمية هو المنهج الدراسي، والمنهج الفعال يجب أن يُبنى على دعامات قوية تتمثل في فلسفة واضحة واستراتيجية دقيقة، فالفلسفة التي يُبنى عليها المنهج ضرورية لتحديد الأهداف والأساليب التعليمية والتربوية. فما هي فلسفة التعليم في الكويت؟ خلق إنسان مفكر ومبدع؟ إنسان منتظم ومنتج؟ إنسان ملتزم ومطيع؟ أم إنسان مستقل وعصامي؟ هل نود ترسيخ العادات والتقاليد والأعراف؟ أم نود أن نشجع على التغيير والتأقلم؟ هل نود أن يكون المدرس هو مركز التعليم أم نود تشجيع الاعتماد على الذات والبحث والاطلاع؟ ما الدور المطلوب من الأسرة والمجتمع لإنجاح العملية التعليمية؟

وفلسفة التعليم لا تأتي من فراغ، بل تأتي من نظرة القيادة المستقبلية والمخططات العامة للمجتمع والدولة والظروف المحيطة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. ولأن الدولة بأكملها تفتقر الى نظرة مستقبلية واضحة فإن التخبط الذي نراه في العملية التعليمية يصبح مفهوماً. ومن دون فلسفة واضحة ومتفق عليها لا يمكن وضع استراتيجيات تعليمية قابلة للتنفيذ والقياس، وهذا الفراغ ترك الباب مفتوحاً للاستراتيجيات غير الرسمية عبر القوى الدينية التي تسللت عبر العقود وأخذت تدير العملية التعليمية من دون إذن أو استئذان.

الاستراتيجية التعليمية هي الخطط طويلة الأمد لتحقيق النظرة المستقبلية بناء على الفلسفة المتفق عليها، وفي ظل غياب الفلسفة المدروسة والاستراتيجيات الموثقة تحولت الخطط التعليمية لمخططات تجنيد ودعاية وغسل مخ لمصلحة الأحزاب الدينية، وعليه تأتي المناهج لتدعم -شكلاً ومضموناً- أفكار وأخلاقيات وبرامج تلك الأحزاب. والناتج هو طالب ملَّقن لا يملك الحد الأدنى من التفكير النقدي أو مهارات البحث والاطلاع. الأخطر -وبسبب عدم وجود رابط بين استراتيجية التعليم واستراتيجية الدولة– أن ناتج التعليم غير مفيد لسوق العمل، والمخرجات لا تتناسب واحتياجات القطاعات الاقتصادية المهمة.

إن غياب الفلسفة والاستراتيجية التعليمية والتربوية واستبدالها باستراتيجيات حزبية ضيقة كفيل بتفسير العيوب والنقص في عناصر العملية التعليمية الأخرى -الإدارة والمستلزمات المادية. فضعف الإدارة وانتشار أمراض المحسوبية والتعصب والتمييز والبطالة المقنعة فيها، ناتج منطقي للعقلية السائدة. فمقاييس الأداء وشروط الترقي لا علاقة لها بأي مقاييس تربوية أو عملية في ظل سيادة الحزبية والطائفية في الإدارة العليا. أما سوء المرافق والخدمات والتجهيزات فهو مثال آخر على أولويات المتنفذين. فإذا كان تعليم الطالب وراحته ليسا على سلم الأولويات فما الحاجة لكل ذلك؟