الأولين بين وحدة الوضوع وتعدد الرؤى
كريم يا نوٍ بروقه تلالا
نوٍ ورا نوٍ وبرقٍ ورا برق قالوا: كما مبسم هيا قلت: لالا بين البروق وبين مبسم هيا فرق! نعم فثغر «هيا» شيء آخر؟.. قد يحاكيه البرق في خاصية اللمعان.. ولكنه شيء آخر، وقد يحاكيه البرق في خاصية المفاجأة.. ولكنه في عين «محسن الهزاني» شيء آخر بالمرة! إن الصورة الشعرية في القصيدة النبطية القديمة نقطة معبرة جدا لمن يريد أن يتأمل في نسيجها الأساسي.. فالشاعر النبطي قديما لم تتوفر أمام خياله الخصب عناصر كافية، ولم يكن يحيط به من العناصر والحالات سوى أشياء قليلة تستطيع أصابع اليد الواحدة ان تقوم بمهمة احصائها. برق.. رمل.. ابل.. مطر.. سراب.. الخ من عناصر «محدودة لا تمنح خيال الشاعر فرصته الجميلة ليشكل عالمه الجميل.. ولكن الشاعر النبطي استطاع وبهذه العناصر المحدودة جدا ان ينثر في المدى صوره الشعرية الرائعة: قطعاننا ترعى المخيل والخيل ف الصمعا تدوس «قعطاننا ترعى المخيل».. تأملوا قليلا في هذه اللوحة التي أبدع فنانها حتى ألقى بنا في عمق الدهشة! هؤلاء «الأولين».. كما يحلو لنا ان نسميهم.. كم هم مبدعون وخلاقون، فبرغم التشابه الكبير في الظروف ونمط الحياة وعناصر البيئة المحيطة إلا أن بصمات أصابعهم لم تتشابه!!.. وملامحهم الشعرية تدهشك باستقلالها الجميل.. وصورهم كذلك: «شرهة يدي» ماكل عودٍ «تعصاه» ولاهي على عوج العصي محدوده كان بإمكان «ابن سبيل» ان يقول بمباشرة انه لا يعتمد على أي كان.. وكان بإمكان أن يقول بمباشرة أقل انه لا يتكئ على أي «مسند».. ولكنه لو كان كذلك لما خلد شعره .. وهذا البيت بالذات يتيح لنا ان نشاهد الفرق العظيم بين البساطة والسطحية في الطرح الشعري. إن ما كان يحيط بتلك الأيام من فقر وسوء حالة وحزن لا ينتهي.. كان كافيا جدا لأن يخلق الشعر والشاعر، فأولئك القوم كانوا يملكون قدرة عجيبة على تحويل الفجيعة إلى أغنية.. والبؤس إلى قطعة فنية رائعة: أضحك مع اللي ضحك والهم طاويني طوية شنون العرب لا قطروا ماها انهم يحولون الفجيعة الى أغنية.. وكذلك فعل الشاعر النبطي حين حدق بعيني محبوبته ووجد أنهما ليستا «غابة نخيل ساعة السحر».. لم تكونا حالمتين أبدا، لقد رأى فيهما بعدا جريئا وتحديا رائعا.. عينان صاخبتان ثائرتان.. القيا بالشاعر العاشق في ألق الشعر: واخلي اللي في محاجر عيونه خيلٍ مشاهير تطارد بأهلها