Ad

إن المؤشرات والقرائن والمعطيات كلها التي بين يدي من يقرأها من العقلاء تفيد بأن الأميركيين، لاسيما من المحافظين الجدد الحالمين بإنقاذ مشروعهم الإمبراطوري العالق في طين قاع المستنقع العراقي، لا يهدفون من وراء كل الضوضاء التي يثيرونها من تحركاتهم ومهرجاناتهم الخريفية وما بعد الخريفية، سوى إلى تصدير الفشل العراقي المحقق إلى سائر دول الجوار القريبة والبعيدة.

من قرار تقسيم العراق الكارثي بهدف تقطيع أوصاله وجعله جرس انذار جديداً لكل من يتجرأ على التمرد على القرار الاميركي من الحلفاء أو الأصدقاء، مهما قيل عنه إنه غير ملزم! إلى فضاءات الصدام اللبناني الذي تروج له وترعاه الإدارة الأميركية بسبب «الفيتو» العلني الذي تضعه على الرئيس التوافقي، إلى أجواء مؤتمر خريف «السلام الشرق أوسطي» المفخخ إسرائيلياً، إلى حال الاستقطاب المفتعل مع إيران على خلفية مدرسة «غوبلز» الهتلرية في الكذب المجاني، ولكن المستمر حتى يصدقك الناس! ثمة أجواء مكفهرة تجتاح السماء العربية والإسلامية، ويبدو أنه كُتب لها أن تستمر معنا إلى نهاية خريف المحافظين الجدد الذي سيكون طويلاً ومملاً، لكنه سيكون متعباً أيضاً لمن لا يحسن قراءة القرائن والمعطيات على التراجع الحاد للأحادية الأميركية، وفي طليعتها حيثيات الفشل الأميركي الموغل في مستنقع العراق!

أصحاب الذاكرة القوية يتذكرون جيداً أننا قلنا لمن يهمه الأمر من العراقيين الذين كانوا وقتها يعلنون - في الظاهر على الأقل- رفضهم للأجندة الأميركية بشأن غزو العراق واجتياحه العسكري الفج بحجة أسلحة الدمار الشامل الملفقة، نعم قلنا لهم إن أي تغطية لهذا الغزو والاجتياح، مهما كانت المصالح الحزبية، بل حتى «الوطنية» التي تبحثون عنها، إنما سيؤدي لا محالة بالعراق وبكم إلى «عسكرة» ليس فضاءات العراق الداخلية فحسب، وتحويله إلى ساحة صراع لميليشيات لايعرف أحد كيف ستنبع مثل الفطر، ومن ثم إلى تمزيق العراق إربا إربا، بل إنكم ستفتحون العراق على مصاريعه مضطرين ومجبرين إلى أشكال التدخل الخارجي الفج أمنياً واستخباراتياً وعسكرياً، ولن تستطيعوا مهما اعتمدتم على ما تسمونه بـ «التذاكي» على الأميركيين، كما كان يتفلسف وقتها جهابذة «الحركة الإسلامية» للخروج من مأزق ونفق الاحتلال والعسكرة والتقسيم والتبعية للخارج، لمجرد أنكم كنتم يوماً وطنيين. وتعتقدون أنكم أذكياء بما فيه الكفاية للخروج من شرنقة تشابك المهمات بينكم وبين المحتل، وتالياً تحرير أنفسكم مما اضطررتم إلى قبوله قسراً، كما تقولون، والذي كنتم ولاتزالون تصرون على تسميته بـ «تقاطع المصالح» مع الأميركي!

وقتها قلنا لأكثر من زعيم ديني وزمني عراقي معارض إن الأميركيين لهم أجندة طويلة عريضة ومعقدة ومتشابكة للمنطقة؛ لن تقبل بأقل من تأمين مفتاح التحكم بوصول النفط بشكل سلس إلى الإمبراطورية الأميركية وإلى ضمان أمن إسرائيل، وبالتالي فان واشنطن والمحافظين الجدد، أكثر تحديداً، ليسوا «جمعية خيرية» لإزالة الديكتاتوريين وإشاعة الديموقراطية والدفاع عن حقوق المرأة والطفل والرجل العراقي أو غير العراقي ونشر الحريات في العالم!

وقتها غضب أكثركم وحنق وكتب الرسائل وأصدر البيانات ضدنا واتهمنا بشتى الاتهامات على الرغم من تاريخنا الناصع والمعمد بالدم في مقاومة ومناهضة الديكتاتورية والاستعمار والتبعية. فقط وفقط لأننا قلنا لكم يومها بأي وجه ستقابلون شعبكم عندما يسيل دمه أمامكم على يد المحتل، الذي سيمعن في التقتيل والذبح لأبناء العراق ولن يرحم أحداً، لاسيما أن آخر همه حرية العراقيين ونظامهم الديموقراطي العتيد، في الوقت الذي قبلتم أن يكون في صفوفكم من صرّح علناً بان اليهود سيكونون درة التاج العراقي، فيما ذهب آخر ليقول بكل وقاحة إن أصوات القنابل التي تسقط على بغداد أجمل سيمفونية سمعها في حياته، وأنتم تعرفون من أقصد وأين اصبح مصير أمثال هؤلاء!

لم نكن يومها نقرأ في الفنجان... ولم ندّع ِعلم الغيب... ولم نكن كذلك نوابغ! فقط وفقط لأننا قرأنا التاريخ بشكل صحيح، ونريد أن نقرأه لكم اليوم على الطريقة نفسها قبل فوات الأوان، ولأن العرب والمسلمين من دول الجوار المباشر وغير المباشر معنيون هذه المرة أيضا، ولكن بشكل مباشر وسريع أيضاً!

إن المؤشرات والقرائن والمعطيات كلها التي بين يدي من يقرأها من العقلاء تفيد بأن الأميركيين، لاسيما من المحافظين الجدد الحالمين بإنقاذ مشروعهم الإمبراطوري العالق في طين قاع المستنقع العراقي، لا يهدفون من وراء كل الضوضاء التي يثيرونها من حول تحركاتهم ومهرجاناتهم الخريفية وما بعد الخريفية، سوى إلى تصدير الفشل العراقي المحقق إلى سائر دول الجوار القريبة والبعيدة، لأنها الفرضية الوحيدة التي تجمد هزيمة بوش الكارثية وحوارييه في العراق وتدير فشلهم هناك إلى حين انكشاف العهد الأميركي الجديد!

لقد بدأوا اللعبة في لبنان، وهاهم يريدون تطويرها وإشاعتها على مستوى العالمين العربي والاسلامي، ويبحثون عن تغطية عربية لها في مؤتمر التطبيع المجاني الخريفي مقابل إنهاء الصراع، وليس الأرض بالتأكيد، لكنهم سرعان ما سينقضون على الدول العربية والإسلامية الكبرى بمشاريع التقسيم الجاهزة التي لن تستثني أحدا، نعم من إيران وتركيا والباكستان مروراً بالسعودية وصولاً إلى مصر فضلاً عن سورية، والخرائط والمخططات والدراسات جاهزة، المهم أن نقرأها اليوم وبعيون مفتوحة، لأن غدا سيكون متأخرا جداً، حتى لا نكون مصداق الحديث الشريف «لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين»!

* الأمين العام لمنتدى الحوار العربي - الإيراني