هكذا انسحب علي الرضوان من دائرة الضوء السياسي بعد أن أسهم في مهمة تاريخية، وأدى دوره الوطني على أتم وجه، فجزاه الله عنا جميعاً خير الجزاء.وصل د.عثمان خليل إلى الكويت والتقى رئيس المجلس عبداللطيف ثنيان مباشرة، واقترح تشكيل لجنة مصغرة لصياغة مواد الدستور، مؤكدا أهمية ضم مستشار الحكومة محسن عبدالحافظ الذي ستثبت الأيام أن وجوده في اللجنة سيسبب مشاكل. كانت مهمة تاريخية بكل المقاييس، ويؤكد علي الرضوان الأمين العام للمجلس التأسيسي أن المهمة كانت صعبة، إذ كان يحاول أن يشرح لها طبيعة المجتمع الكويتي وعلاقة الحاكم بالمحكوم. وكانت اللجنة الثلاثية تلتقي برئيس المجلس الذي كان بدوره يشرح للجنة الصياغة أفكاره وما يطمح إليه الكويتيون في صياغة الدستور.
وكان أن اقترح د.عثمان خليل أن يقوم هو بوضع تصور جديد بدلاً من المسودة التي كان قدمها محسن عبدالحافظ، وعلى هذا الأساس بدأ العمل من منطلق مسودة أعدها د.عثمان خليل.
وحسب علي الرضوان، فإن هناك خطأً شائعاً بأن الذي قام بوضع مسودة الدستور هو عبدالرزاق السنهوري... والحقيقة هي أن السنهوري كان قد أسهم إسهاماً بارزا في وضع البنية القانونية للدولة منذ عام 1960 أي قبل الاستقلال، وذلك من خلال دائرة الفتوى والتشريع، أما في ما يختص بالدستور، فهو لم يكن موجوداً. وربما كان أحد أسباب ذلك أن تم استيراد بعض القوانين من مصر نسخة طبق الأصل حتى أننا نجد الغرامة في بعض القوانين مذكورة بالقرش المصري، أو اننا نجد أسماءً لمناطق مصرية في بعض القوانين، وقد جرى تعديل بعض تلك القوانين، ولا أعرف انه تم ذلك بالنسبة إلى كل القوانين أم مازال بعضها يذكر دمياط وطنطا وغيرهما؟ وهكذا أسس السنهوري القواعد القانونية فسّهل على مَن وضعوا الدستور عملهم.
ويشرح علي الرضوان أنهم كانوا يبدأون مساءً حوالي السابعة ومعهم رئيس المجلس حتى العاشرة أو الحادية عشر مساءً، حين يغادرهم الرئيس ويستمرون في مناقشات صعبة للغاية حتى الرابعة صباحاً، وانه كان يأخذ الفصل حال الانتهاء منه لطباعته من خلال الجهاز الإداري الصغير.
ومن ثم يحضرون الجلسة في العاشرة صباحاً، وكانت المناقشات داخل لجنة الصياغة حادة ومتباينة، وقد سعى د.عثمان خليل إلى توضيح كيف أن المسودة المقدمة من محسن عبدالحافظ لا تتواءم مع مبادئ الديموقراطية، ويبدو أن بعض تلك المواد التي لا تتلاقى مع الديموقراطية كانت تجد قبولاً عند بعض أعضاء لجنة الدستور، فكان يوضح موقفه ويحاول أن يجد حلاً وسطياً.
كان واضحا أن استبعاد النص الذي قدمه المستشار محسن عبدالحافظ قد ترك في نفسه عدم ارتياح، ما أدى إلى اندفاعه باتجاه مناقض للعديد من المقترحات وبالذات خلال نقاش النصوص في لجنة الدستور، فكان يفسر بعض المواد، وبالتحديد تلك المرتبطة بالأسرة الحاكمة، تفسيرات تصورها وكأنها معادية للأسرة الحاكمة، ما أدى إلى مقاطعة، أو فلنقل انقطاع الشيخ سعد العبدالله ممثل الأسرة، عن حضور اجتماعات لجنة الدستور فترة من الوقت، وعندما عاد إلى الحضور، أعلن أنه يرفض ما تم الاتفاق عليه ويطالب بإعادة النظر في الموضوع برمته. وكادت تلك الحادثة تعطل إصدار الدستور، وقد أثار الدور الذي كان يلعبه المستشار محسن عبدالمحافظ حالة من عدم الارتياح ما أدى في نهاية الأمر إلى عدم حضوره جلسات لجنة الدستور بتدخل من عبدالله السالم، كما يبدو.
أما بخصوص القضايا الخلافية التي كانت تثير جدلاً حاداً في اجتماعات لجنة الدستور، فقد كان رئيس المجلس يتوجه فيها إلى أمير البلاد الشيخ عبدالله السالم ويحلها معه، حيث يطلب تأجيل بحثها ويعود في اليوم التالي ليقول- حسب علي الرضوان- «يا دكتور عثمان اتفقت مع سمو الأمير على أن تكون النقطة المذكورة على النحو التالي... وأرجو صياغتها الصياغة القانونية السليمة... ولم يكن الشيخ سعد يعترض على ما وافق عليه سمو الأمير». وعلى أية حال فلم تكن محاضر لجنة الدستور تُدِون حرفياً كل ما يدور من مناقشات، وإنما تسجل ما تم الاتفاق عليه وبعد ذلك يتم أخذ موافقة الأعضاء.
وهكذا انسحب علي الرضوان من دائرة الضوء السياسي بعد أن أسهم في مهمة تاريخية، وأدى دوره الوطني على أتم وجه، فجزاه الله عنا جميعاً خير الجزاء.
ولعله بات لزاماً علينا ونحن في سبيل التأريخ للدستور الكويتي أن نذكر أولئك الرجال الذين ساهموا في خروج تلك الوثيقة الأهم الى النور، فالشخصيات السياسية البارزة معروفة أما عداهم فبالكاد يأتي ذكرهم.
ولكن ما طبيعة وتفاصيل الخلافات داخل لجنة الدستور، والتي كان يُخشى أن تقوض أسسه وتنسفه؟ وللحديث بقية.