هنا عربية الـ بي. بي. سي

نشر في 11-03-2008
آخر تحديث 11-03-2008 | 00:00
 صالح القلاب

ما يمكن اعتباره «تحصيل حاصل» هو أن «عربية» الـ«بي بي سي» ستحتل مكانة مرموقة بين الفضائيات العربية الطليعية، وأنها «ستُعَقْلِن» بعض هذه الفضائيات التي لم تلتقط الحلقة الصحيحة في التعامل مع المستمع العربي الجاد الذي أرهقه الصراخ.

اليوم الثلاثاء ستنطلق فضائية جديدة، لسانها عربي وهويتها بريطانية، وهذه الفضائية لأنها تحمل اسم الـ«بي. بي. سي»، فإن المنتظر أن تأخذ مكاناً مميزاً في عالم الفضائيات العربية، وهي بالتأكيد ستصبح ثالثة الثلاثة الكبار: «العربية» و«الجزيرة» وهذه الوافدة، الجديدة التي ستبدأ ببث يومي لاثنتي عشرة ساعة فقط ثم بعد تجربة قد لا تزيد على ثلاثة أشهر سيصبح بثها على مدى ساعات اليوم كله.

المهم في هذه الفضائية الجديدة، التي ستنطلق اليوم في منطقة الـ«أوكس فورد سيركس» في قلب لندن أنها تحمل اسم هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بي. بي. سي» التي بلغت من العمر ثمانين عاماً والتي حظيت بسمعة طيبة وحسنة، وبقيت تحافظ على استقلال حقيقي رغم أنها تعتمد بتمويلها على الخارجية البريطانية، ورغم أنها أهم مشروع إعلامي عالمي خدم بريطانيا العظمى على مدى ثمانية عقود.

هناك إذاعات كثيرة حاولت تقليد هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بي. بي. سي»، لكنها لم تستطع فهذه الإذاعة بوقارها ومهنيتها وبدقتها وحياديتها المعقولة بقيت تحافظ على مستمعيها وبقيت حتى بعد ظهور الفضائيات تفرض نفسها على صناع القرار في الوطن العربي حتى بما في ذلك الذين يخالفون بريطانيا الرأي والموقف ويعتبرون أنفسهم، الآن وفي السابق، في المعسكر المناهض للسياسات البريطانية في الشرق الأوسط وفي العالم كله.

لقد نجحت الـ«بي. بي. سي» نجاحاً لم تصل إليه أي إذاعة أخرى، وهي حتى في سنوات العواصف القومية واليسارية والانقلابات العسكرية التي حملت راية عداء بريطانيا والمعسكر الغربي كله، بقيت موضع ثقة حتى من قبل قادة الأحزاب الثورية ومن قبل الرئيس الراحل جمال عبدالناصر نفسه وفي ذروة العدوان الثلاثي على مصر، الذي كان في حقيقة الأمر صناعة بريطانية وليس صناعة إسرائيلية أو فرنسية.

ولذلك وبما أن هذه الفضائية الجديدة التي انطلقت اليوم تحمل هذا الاسم، هيئة الإذاعة البريطانية الـ«بي. بي. سي» وتتكئ على نجاحات القسم العربي في هذه الإذاعة، فإن ما يمكن اعتباره «تحصيل حاصل» هو أنها ستحتل مكانة مرموقة بين الفضائيات العربية الطليعية، وأنها «ستُعَقْلِن» بعض هذه الفضائيات التي لم تلتقط الحلقة الصحيحة في التعامل مع المستمع العربي الجاد الذي أرهقه الصراخ الذي لايزال يتذكر استعراضات أحمد سعيد في خمسينيات وستينيات القرن الماضي و«هَوْبَراته»!!

لقد كانت الـ«بي. بي. سي» أنجح الإذاعات الناطقة بلغة الضاد على الإطلاق، ولعل ما هو معروف ومؤكد أن كل مَن يتعاطى السياسة في المنطقة العربية على مستوى القادة وصناع القرار عليه أن يعطي أذنيه لهذه الإذاعة ولو لنشرة أو نشرتين في اليوم على الأقل. وهذا هو النجاح الفعلي الذي ستحققه هذه الفضائية الجديدة وما يميزها أنها لم تنطلق من الصفر وأنها تَرثُ مسيرة طويلة جداً من النجاحات المتلاحقة.

الفضائيات الرئيسة كلها، وأعني هنا أولاً «العربية» التي قطعت المسافات بسرعة وفرضت احترامها خلال سنوات قليلة، وثانياً «الجزيرة» التي لها مكانتها الخاصة رغم بعض الاعتراضات عليها، لم تجد بُداً من الاستعانة بخبرات وكفاءات الـ«بي. بي. سي»، ولذلك فإنه على مَن يريد التأكد من هذه الحقيقة أن يستعرض الأسماء اللامعة في برامج هاتين الفضائيتين من أمثال؛ حسن معوض وسامي حداد وغيرهما، وهذا معناه أن «عربية» هيئة الإذاعة البريطانية التي اختارت شعاراً لها: «العالم بين يديك» ستقطع المسافات بسرعة قياسية وستحتل موقعها الصحيح في هذا العالم المترامي الأطراف.

* كاتب وسياسي أردني

back to top