لم يعد مقبولاً على الإطلاق أن توهم الحكومة الشعب الكويتي بأن قضية استدعاء نخبة من خيرة الشخصيات الوطنية هي لاستجوابهم حول حفل التأبين ومواجهتهم خلف الأبواب المغلقة بتهمة التآمر لقلب النظام السياسي في الكويت.يبدو أن الحكومة لم تبلع الطعم بسهولة في تداعيات قضية التأبين بل «غصت فيه» سواء في طريقة تعاطيها القانوني أو السياسي، وقد نبهنا في مقالات سابقة من وقوع الحكومة في فخ الاستدراج بسبب تعاطيها لهذا الموضوع كردود أفعال وسط الزوبعة الإعلامية لبعض الصحف والقنوات الإعلامية، وبالفعل فقد نجح مجموعة من المواطنين، وتحت غطاء قانوني برز من العدم، في تدبيسها بتبني قضية كبيرة وحساسة وخطيرة مرتبطة بالانقلاب على نظام الحكم وجعلتها في موقف لا يحسد عليه في مواجهة المجتمع الكويتي والإجابة عن أسئلة من العيار الثقيل.
ومما يدعو بالفعل إلى الأسى والسخرية في آن واحد أنه وخلال الاتصالات واللقاءات المتواصلة مع أعلى المستويات الحكومية طوال الفترة الماضية لم نجد سوى الإشادة بوطنية وإخلاص الشخصيات السياسية المستهدفة في تلك التهمة المشبوهة مثل سيد عدنان عبدالصمد وأحمد لاري وعبد المحسن جمال وناصر صرخوه وفاضل صفر، والسؤال المحير هنا إذا كانت هذه شهادة كبار المسؤولين في الدولة فلماذا تقبل الحكومة، بل وتشترك في توجيه تهم الخيانة الوطنية والتآمر على الحكم ضدهم؟! وبمَ نفسر ادعاء الحكومة بأن موضوع الاستدعاء للنيابة خاص بالتأبين فيما يتم اعتقال الدكتور صرخوه الذي لم يحضر ذلك التأبين أصلاً من خلال مطاردة بوليسية على الخط السريع شبيهة بالمطاردة الشهيرة لـ «أو جيه سمبسون»!!
وبحسب إفادة هيئة الدفاع في هذه القضية، فما علاقة حفل التأبين بالأسئلة الشخصية، وذات البعد التعبدي الصرف وفي صميم المعتقد المذهبي مثل؛ التقليد، وكيفية الصلاة، ومصارف الخمس، والزكاة، وظهور الإمام المهدي المنتظر؟!
وإذا كانت هذه التهم جدية وبتلك الوضوح يجب على الحكومة ممثلة بوزير الداخلية فوراً الإعلان عن ذلك الخلط الرهيب وتفاصيله وبشكل رسمي أمام الرأي العام الكويتي، لأنه لم يعد مقبولاً على الإطلاق أن توهم الحكومة الشعب الكويتي بأن قضية استدعاء نخبة من خيرة الشخصيات الوطنية هي لاستجوابهم حول حفل التأبين ومواجهتهم خلف الأبواب المغلقة بتهمة التآمر لقلب النظام السياسي في الكويت.
ولنتصور أن كبار الشخصيات الوطنية والسياسية التي طالما حظيت بحب وثقة أهل الكويت من قوى المنبر الديموقراطي والتحالف الوطني مثل أحمد الخطيب أو عبدالله النيباري أو محمد الصقر، أو مبارك الدويلة وناصر الصانع من الحركة الدستورية، أو خالد السلطان وأحمد باقر من التجمع السلفي قد تم معاملتهم بالطريقة نفسها وكيلت لهم تهم الخيانة وقلب نظام الحكم، فماذا تكون ردة الفعل الشعبية؟!
بعضنا قد يفسر البعد السياسي لهذه القضية بأنها عبارة عن «قرصة إذن» لبعض الشخصيات الشيعية وسوف يطوى هذا الملف «لتبريد چبد» بعض الفئات الأخرى، وبعضنا الآخر يفسره في إطار تلبيس تيار التحالف الوطني الإسلامي «منة سياسية» من خلال حفظ القضية لتشويه سمعة رموزه شعبياً وجعل علامات الاستفهام عليها للأبد، وبعضنا الثالث قد يفسر البعد السياسي في إطار «العين الحمراء» للحكومة إزاء القوى الوطنية الأخرى تمهيداً لإرباكها وإضعافها لكي تخلو الساحة السياسية لمزيد من العبث والفساد والنفوذ.
ولكن «طاف» على الحكومة، سواء كانت جزءاً من هذا المخطط أو أنها استدرجت إلى المطب، أن النتيجة الوحيدة والثابتة لأي من تلك التفسيرات سوف تكون سلبية عليها وحدها، لأن إجراءات التعسف والمطاردة والاعتقال وزج الشخصيات العامة في «الزنزانات» لا تزيدها إلا ثقة أكبر ورصيداً شعبياً أوسع وتعكس مصداقية مواقفها الوطنية الثابتة بشكل أوضح!