العرب وإيران... التفاعل الخلّاق أم الصراع المفتوح؟

نشر في 18-03-2008
آخر تحديث 18-03-2008 | 00:00
 د. عمار علي حسن من يجيل النظر في ما أنتجته القريحة العلمية والأكاديمية العربية حيال الصيغة التي اتخذتها العلاقات العربية - الإيرانية، يجد أنها دارت حول التفكير في ثلاثة أشكال، هي: إما التعاون وإما الصراع وإما المزاوجة بين الاثنين، بحيث يتعايشان في الزمان والمكان، لكن هذه الصيغ لم تعد قادرة على النهوض بالعلاقات بين الطرفين بعد التطورات الفارقة التي جرت في الآونة الأخيرة، وفي مطلعها حضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد قمة مجلس التعاون الخليجي الأخيرة، وصدور تقرير المخابرات المركزية الأميركية الذي أكد أن طهران أوقفت برنامجها النووي عام 2003، ووجود بوادر على إمكان عودة العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين مصر وإيران، وتأكد رفض دول الخليج جميعا لحل الولايات المتحدة خلافها مع إيران عسكريا، لأن مثل هذا التصرف غير المحسوب سيجر على المنطقة برمتها ويلات لا حدود لها.

وهذه الصيغ الثلاث تحمل قدرا هائلا من «الإيجابية»، لكن العرب وقفوا عند حدود التفكير فيها، ولم يدخلوا بقوة إلى دائرة الفعل، واتخذوا موقفا سلبيا من إيران قام على ثلاثة عناصر هي:

أولا- ترك العرب فراغا إقليميا طمعت إيران في ملئه، ولم يقفوا على مسافة واحدة من طهران. ومثل هذا الأمر أوجد وضعا غير صحي استغلته طهران.

ثانيا- تحولت بعض الدول العربية الرئيسية، أو كادت، إلى أداة من أدوات السياسة الخارجية الأميركية في «منطقة الشرق الأوسط» تجاه إيران، ورهنت هذه الدول مستوى تحسن العلاقات مع طهران بإرادة واشنطن، لا برغبة الشعوب العربية، ولا حتى بما تقتضيه المصالح الوطنية.

ثالثا- قدم العرب في علاقتهم بإيران النزال السياسي الحاد على التكامل، الذي يعني البحث عن نقاط التقاء مشتركة، سواء تجاه إسرائيل أو حيال حماية النفط العربي أو المصالح التي تتطلبها الروابط الإسلامية، أو حتى همزات الوصل الثقافية والحضارية في المنطقة.

وبدلا من هذه المواقف السلبية التي تؤسس على العناصر الثلاثة، السابقة الذكر، فإن العرب مطالبون في هذه اللحظة التاريخية بأن يقيموا تفاعلا خلاقا مع إيران، يقوم على ستة عناصر هي:

1 - تقريب مواقف الدول العربية بحيث تقف على مسافة واحدة من طهران، بما يحرم الأخيرة من اللعب على التناقضات بين العرب.

2 - قيام العرب بهجوم دبلوماسي على إيران، لا يقتصر على المستوى الرسمي، لكن يمتد إلى المستويات الأدنى، فليس من المعقول أن تتبع بعض الدول العربية هذا الأسلوب مع إسرائيل، مراهنة على مخاطبة «أنصار السلام» هناك، وتضن على إيران بهذه الطريقة. فداخل إيران نفسها جماعات وقوى تستحق أن نتواصل معها، حتى في ظل وجود قطيعة أو خصام أو جفاء مع النظام الرسمي، وذلك من أجل الدفاع عن المصالح العربية عند الخطوط الدبلوماسية الأمامية.

3 - استقلال القرار العربي حيال إيران عن أي إرادة لطرف خارجي، سواء الولايات المتحدة الأميركية أم غيرها.

4 - تقوية الذات العربية في مواجهة إيران، بدلا من الاعتماد على الغير، في إيجاد توازن إقليمي، وهذه التقوية لا تعني أبدا التجهيز للدخول في صراع سافر ضد طهران، بل ترمي إلى ردع الإيرانيين وجعلهم يحسبون للعرب ألف حساب، أو وقف أطماعهم والدخول في تفاعل إيجابي معهم.

5 - احتواء أو تحييد الأوراق التي تمتلكها إيران في التعامل مع العرب، وفي مقدمها قوى وتنظيمات المقاومة، فحين تهجر دول عربية مهمة المقاومة أو تتخلى عنها، فإنها تفتح الطريق أمام إيران للدخول على الخط ومغازلة قوى الممانعة والمقاومة واستقطابها. كما يجب أن تستوعب الدول العربية الطوائف الشيعية الموجودة في بعضها على أساس الوحدة الوطنية وإعلاء مبدأ المواطنة، لسد أي ثغرة يمكن أن تثقب جسد الدول العربية المتعددة المذاهب، وتنفذ منها إيران أو غيرها للنيل من أمنها القومي.

6 - يجب على العرب أن يستفيدوا من التجربة الإيرانية في أكثر من مجال، أولها الحنكة الدبلوماسية الكبيرة التي أدارت بها إيران معركتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة، ووظفت فيها كل الأوراق التي تمتلكها، وأفلتت من الخنق التام الذي فرض عليها بعد احتلال واشنطن للعراق وأفغانستان، ودخولها القوي في القوقاز وآسيا الوسطى وتعزيز وجودها في منطقة الخليج العربي، ونجحت في أن تحول الموقف لمصلتحها، بجعل احتلال العراق يصب في المصلحة الإيرانية، وخلق توازن في القوقاز بمساعدة أرمينيا ضد أذربيجان المنضوية تحت لواء الاستراتيجية الأميركية، وتحييد تركيا التي تربطها علاقات قوية بواشنطن، والهجوم الدبلوماسي على دول الخليج العربية، والاستفادة من إزاحة طالبان، السنية المتطرفة، عن السلطة، واستقطاب دولتين مشاطئتين لبحر قزوين هما روسيا وتركمانستان، في مواجهة أذربيجان وكازاخستان اللتين تميلان إلى جانب التصور الأميركي حيال التعامل مع نفط بحر قزوين.

وثانيها هو الاستفادة من التجربة الإيرانية في الاتجاه إلى تعزيز القدرات العسكرية والاقتصادية، بما يمكن الدولة من اتخاذ قرارات مستقلة في سياستها الخارجية.

وثالثا الإيمان بأن مخالفة واشنطن لا تعني الوقوع في كارثة محققة، وأن ما قاله الرئيس المصري الراحل أنور السادات من أن %99 من أوراق اللعبة في المنطقة بيد الولايات المتحدة هو أمر مبالغ فيه، فإيران استطاعت أن تدخل في مواجهة ضد واشنطن على مستوى الخطاب والممارسة، مصحوبة بتحركات دبلوماسية واعية، وبناء قنوات خلفية للتواصل، بما حسم النزال في خاتمة المطاف لمصلحتها، ولو مؤقتا.

رابعا، أن أفضل وسيلة للتعامل مع إسرائيل هي التحدي، وليس استجداء السلام، أو الاستكانة. فإسرائيل تحترم من يتحداها، وهو يقف على أرض صلبة، وستكون مجبرة على الدخول في تفاوض معه، وتقديم تنازلات، على غرار ما جرى مع حزب الله بخصوص قضية الأسرى، أما من يتوسل إليها أو يتراخى في مواجهتها فلن ينال شيئا على الإطلاق.

والمجال الخامس هو ضرورة أن يمعن العرب النظر في تجربة الإيرانيين في إدارة سياستهم الخارجية، بحيث يكون هناك اتفاق عليها بين جميع الأطراف والقوى السياسية والاجتماعية داخل الدولة، رغم الخلافات والاختلافات الداخلية، فالمحافظون والإصلاحيون في إيران يقفون موقفا واحدا من قضية احتلال الجزر الإماراتية الثلاث، وهي مسألة جلية في تصريحاتهم وتحركاتهم، رغم علمهم التام بأحقية الإمارات في أرضها تلك، والمرونة الشديدة التي تبديها من أجل الحل العادل لهذه المشكلة، والحلم الأشد الذي تواجه به التهرب والتلكؤ الإيراني من هذا الوصول إلى هذه الغاية التي ينشدها العرب جميعا.

* كاتب وباحث مصري

back to top