Ad

يبدو أن توصيات «بيكر - هاميلتون» التي شارك في إعدادها لجنة مؤلفة من عشر شخصيات من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، والتي وضعها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش على الرف باعتبارها مجرد توصيات غير ملزمة، عادت إلى الواجهة بسبب الضرورات، التي يمليها المأزق الكبير الذي وصلت إليه السياسة الأميركية في العراق.

جاء رد المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية شون ماكورماك سريعاً، من اعلان منوشهر متقي وزير الخارجية الإيراني عن عقد لقاء إيراني- أميركي جديد، فبعد ساعات أعربت واشنطن عن استعدادها لإجراء مفاوضات مباشرة جديدة مع طهران بشأن الوضع الأمني في العراق، وهو ما ذهب إليه المسؤول الإيراني حين قال: من المحتمل عقد لقاء في المستقبل القريب كجولة ثانية لمفاوضات واشنطن - طهران.

وكان مسؤولون عراقيون، حسبما نقلته وكالة الصحافة المركزية الإيرانية عن متقي، قد طلبوا من إيران عقد لقاء جديد مع الولايات المتحدة، قال وزير الخارجية الإيراني: طلبنا أن ينقل الأميركيون طلبهم عبر السفارة السويسرية في طهران وبعد وصول الطلب الأميركي بعقد جولة جديدة من المفاوضات، كان الرّد الايراني إيجابياً، وقد يُعقد اللقاء في المستقبل القريب، وهو ما أكده وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري، بالقول إن طهران وواشنطن ستجريان جولة ثانية من المفاوضات مع بغداد قريباً، وذلك على مستوى السفراء وستدور حول أمن العراق واستقراره.

جدير بالذكر، ان الجولة الأولى من المفاوضات كانت قد عقدت في بغداد في 28 مايو 2007، ولعلها أول محادثات رسمية على مستوى رفيع بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية- الثورة الايرانية وبشكل خاص منذ أزمة الرهائن، خصوصاً بعد قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في العام 1980.

الجولة الأولى من المفاوضات الأميركية - الإيرانية شارك فيها السفيران الأميركي في العراق رايان كروكر، ونظيره الإيراني حسن كاظمي قمّي، وهي خطوة مهمة وإن لم تحقق تقدما كبيراً باتجاه تطبيع العلاقات بين البلدين.

يبدو أن توصيات «بيكر - هاميلتون» التي شارك في إعدادها لجنة مؤلفة من عشر شخصيات من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، والتي وضعها الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش على الرف باعتبارها مجرد توصيات غير ملزمة، عادت الى الواجهة بسبب الضرورات، التي يمليها المأزق الكبير الذي وصلت اليه السياسة الأميركية في العراق، خصوصاً أن مقترحات بيكر - هاميلتون قد أكدت على أهمية إشراك دول الجوار في الحل، وبخاصة إيران وسورية، بعد أن كانت الولايات المتحدة ترفض مشاركة أي جهة في بحث الشأن العراقي خارج دائرة واشنطن.

بعد الكثير من الخيبات والانكسارات، ومغادرة الطاقم السياسي الذي رافق الرئيس بوش في غزو افغانستان واحتلال العراق، ووضع إيران وكوريا الشمالية في إطار «محور الشر» واتهام سورية بالضلوع بالإرهاب الدولي، وبخاصة رعاية «الإرهاب الفلسطيني»، خصوصاً بعد انسحابها من لبنان، أعلن السيناتور الجمهوري ريشارد لوغر رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ أن صبر الجمهوريين حيال خطة بوش لزيادة القوات الأميركية في العراق بدأ ينفد، وأيد السيناتوران جورج فونيكونيتش وجورج وارنر (من داخل الحزب الجمهوري) كلام لوغر، الذي أشاد بتقرير لجنة «بيكر – هاميلتون» حول العراق، التي تدعو إلى إشراك الدول المجاورة.

وأصل الفداحة في إدارة الأزمة، إضافة الى الخسائر البشرية والمادية والمعنوية التي لحقت بواشطن، فضلا عن تبدد «الوعد الديموقراطي» وتفشي الإرهاب واستشراء الفوضى، قد جعلت الولايات المتحدة تتقبل وجود «شركاء» آخرين، وإنْ كانوا «أعداء»، بتعديل أو تكييف استراتيجيتها بشأن الملف العراقي من مبدأ تصدير الحل الناجز بعد التفكيك، إلى علاج المشكلة العراقية موضعياً بفتح حوار واسع بين الفرقاء العراقيين واشراك دول الجوار الإقليمي، وبخاصة إيران بحكم نفوذها «العراقي» وعقد مؤتمر دولي، حسبما ذهب إليه وزير الخارجية الأميركي ومستشار الأمن القومي الأسبق هنري كيسنجر.

هل عودة المفاوضات الأميركية - الإيرانية تعني ظهور إمكان جديد للحل في العراق خارج نطاق العمل العسكري والصدام المسلح والعنف المنفلت من عقاله والإرهاب؟ لعل أولى تلك المحاولات هي إشراك دول الجوار للتعاون، وبخاصة في ضبط الأمن والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية العراقية والمساعدة في إعادة الإعمار، خصوصا بعد توفير مستلزمات توافق عراقي على أسس جديدة غير طائفية أو إثنية. وهنا لابد من إعطاء دور محوري للأمم المتحدة كمرحلة انتقالية في استعادة هيبة الدولة العراقية، ومعاونة العراق على وضع جدول زمني للانسحاب وإنهاء الاحتلال... عند ذلك سيصبح الحديث عن انعكاسات إيجابية عراقياً أمراً ممكناً!

 

كاتب ومفكّر عربي