الرقم السري!!
إن كل الاحتمالات في لبنان واردة، وقد يتأجّل استحقاق اللبنانيين الرئاسي إلى يوم آخر... وربما إلى شهر آخر وإلى سنة أخرى وإلى الأبد، اللهم إلا إذا كان «الرقم السري»، الذي لا يمكن فتح القفل اللبناني المستعصي من دونه والذي لا يعرفه إلا الذين يشدّون عرائس مسرح العرائس من الخارج، قد وصل إلى مبنى برلمان لبنان في هذا الصباح.
إذا مضى هذا اليوم «على خير» وحدثت المعجزة وتمكن اللبنانيون من تجاوز الامتحان العسير باختيار رئيسهم العتيد فإن هذا يعني أن القوى الإقليمية والدولية التي تصارعت على المسرح اللبناني طويلاً قد انتهت مساوماتها إلى الالتقاء عند هذه النقطة، والمفترض، إذا كانت هذه التقديرات صحيحة، أن المنطقة كلها ستدخل مـرحلة جديدة أكثر هدوءاً واستقراراً من المرحلة الصاخبة الحالية. إنّ كل هذا هو مجرّد تكهّنات وقد لا يكون هذا اليوم الثلاثاء الحادي عشر من ديسمبر أكثر من محطّة على طريق المجهول، مثله مثل ستة مواعيد سابقة مضت وكل موعد منها انتهى إلى الفشل الذريع وإلى الاستمرار في حلقات التباغض والتصادم والاختلاف التي غدت منذ اغتيال رفيق الحريري سلسلة تناحرات طويلة. لم تُشِرْ تصريحات رموز الطوائف والكـُتل والتمحورات السياسية منذ يوم الجمعة الماضي حتى مساء أمس الاثنين إلى ما يعزز القناعة بأن محنة لبنان قد انتهت أو أنها اقتربت من خط النهاية، فالكلُّ يدور في الحلقة المفرغة السابقة نفسها وتحالف ما يسمى بـ«المعارضة» الذي ينطق باسمه الجنرال ميشال عون أكّد أنه يريد «إعدام» أنداده ويريد فرض إرادته عليهم وهزيمتهم هزيمة منكرة. لا مشكلة في تعديل الدستور اللبناني، وقد ثبت وفقاً لما حصل في عدد من الدول العربية أن الدساتير مادة مطاطية قابلة للتغيير والتبديل، وأنها كالعجين بإمكان صاحب الصولجان الذي بيده الحل والربط أن يشكّل منها الشكل الذي يريده والهيئة التي تلائم تطلعاته وتوجهاته. إن المشكلة تكمن في أن حلف الجنرال عون المتحالف مع «حزب الله» و«حركة أمل» التابعين لإيران وسورية يريد تغيير التركيبة اللبنانية التقليدية التي بقيت مستمرة، رغم كل ما واجهها خلال الثلاثين سنة الأخيرة، والمعروف أن تغيير التركيبة اللبنانية يقتضي إلحاق هزيمة نهائية بحكومة فؤاد السنيورة الحالية وتدمير تيار «المستقبل» والتخلّص من تحالف «الرابع عشر من آذار» وإعادة الطائفة السنية والطائفة المارونية إلى واقع ما كانتا عليه قبل بزوغ نجم رفيق الحريري الذي دفع حياته ثمناً لهذا البزوغ. لا مشكلة إطلاقاً في تعديل الدساتير والمعروف أن الدستور اللبناني جرى تعديله أكثر من مرة كان آخرها عندما جرى التجديد للرئيس «الراحل» إميل لحود لنصف ولاية جديدة... إن المشكلة تكمن في أن الذين يمسكون بخيوط تحالف الجنرال عون و«حزب الله» و«حركة أمل» ويحركون عرائسهم هذه فوق مسرح العرائس اللبناني شعروا في فترة من الفترات بأن عليهم أن يستثمروا «الانتصار الإلهي» في صيف العام الماضي، وأن يواصلوا هجومهم للقضاء على الحالة «الحريرية» نهائياً كي يفرضوا أنفسهم على الولايات المتحدة وعلى من يعتقدون أنهم حلفاء للولايات المتحدة. لا يمكن الجزم بأي شيء فهذا اليوم، الثلاثاء الحادي عشر من ديسمبر، لايزال في أوله، ولذلك فإن كل الاحتمالات واردة وقد يتأجّل استحقاق اللبنانيين الرئاسي إلى يومٍ آخر... وربما إلى شهر آخر وإلى سنة أخرى وإلى الأبد، اللهم إلا إذا كان «الرقم السري» الذي لا يمكن فتح القفل اللبناني المستعصي من دونه والذي لا يعرفه إلا الذين يشدّون عرائس مسرح العرائس من الخارج قد وصل إلى مبنى برلمان لبنان في هذا الصباح... وهذا في الحقيقة مستبعد جداً، ولذلك فإنه قد لا يمضي هذا اليوم على خير كما يتوقع البسطاء وأصحاب القلوب الطيبة والنوايا الحسنة. * كاتب وسياسي أردني