في الجزء الأول من هذه المقالة تطرقت الى الحقيقة المُرة أن ما نراه من كنوز أثرية عبر الوطن العربي تمتد الى آلاف السنين قبل الميلاد لا تشكل سوى 10% أو أقل من الثروة الحقيقية التى لاتزال تحت الركام والأنقاض، وحتى جهود التنقيب القائمة تتم بأموال وأيد أجنبية في الأغلب ولأسباب سياسية أو اقتصادية من دون ضوابط قانونية واضحة.
إن دعم برامج التنقيب والترميم يعود علينا بمنافع متعددة وعلى أكثر من صعيد، فمن منظور سياسي وبراغماتي بحت، فإن الاهتمام بالآثار وحماية التراث كفيلان بإعطائنا طابعاً حضارياً راقياً بشكل يساعد في تغيير صورتنا المترسخة لدى الآخرين كبدائيين أو ماديين أو إرهابيين، وذلك بتعزيز دورنا في البناء والتطوير ورعاية الثقافة.ولكن العائد الأهم، في رأيي، هو توثيق تاريخنا وإعطاؤه حضوراً مادياً في حياتنا اليومية ليذكرنا بما كنا ومن نحن. فقديمنا جزء من هويتنا الإنسانية والقومية والعقائدية. فمن المهم لأبنائنا وأحفادنا أن يروا ما تتحدث عنه كتب التاريخ وأن يتعزز لديهم الفخر بماضيهم وبعوالمهم.من ناحية أخرى، فإن المواقع الأثرية عنصر جذب للسياح والباحثين والمهتمين بالتاريخ من شتى أنحاء العالم، فمن باب تنويع مصادر الدخل ودعم الاقتصاد القومي فإن زيادة وتطوير المواقع التاريخية وإثراء المتاحف دعم للسياحة الثقافية والترفيهية.ومن ناحية إنسانية واجتماعية، فإن دعم السياحة والأنشطة الثقافية بالمساعدات المالية أفضل بكثير لشعوب العالم العربي من المساعدات المالية التي تدفع الى أنظمتها مباشرة، التي تستخدمها، في الأغلب، لمصالح شخصية أو لبناء نظام أقوى في قمع تلك الشعوب.فالعائد في نهاية المطاف سيكون إيجابياً للأطراف جميعها سواء استفدنا بشكل مباشر في نمو الاقتصاد وتطور قطاع السياحة، أو أكاديمياً بدحض أو إثبات النظريات التاريخية أو معنوياً بالشعور بالإنجاز والزهو والفخر بالانتماء لهذه الأمة وتاريخها الثري.وليس بالضرورة أن يكون الدعم غير ربحي، فهناك فرص اقتصادية كبيرة غير مستغلة مثل إدارة المتاحف بشكل يحولها من مراكز تكلفة إلى مراكز تجارية، ومثل تقديم خدمات للسياح والزوار في المناطق السياحية، وهذه الخدمات قد تكون ببساطة توفير الماء والظل (خصوصاً في المساحات المفتوحة في الجيزة ووادي الملوك أو البتراء وجرش، على سبيل المثال) أو خدمات أرقى مثل الأدلة والخرائط والترجمة والرحلات الجماعية أو الشخصية والهدايا التذكارية المميزة. فهذه الخدمات تقدم حالياً بجهود متواضعة جداً، إن وجدت. ويمكن أيضاً إقامة أنشطة ترفيهية وثقافية بشكل أرقى وأكبر على شاكلة مهرجان جرش وغيره.ومن صفحات «الجريدة» أبعث بدعوة خاصة الى شركات البترول الخليجية (مؤسسة البترول الكويتية وشركاتها، وايكويت، وأرامكو، وأدنوك، ومؤسسة قطر للبترول... وغيرها الكثير) والمؤسسات المالية وشركات الاتصالات والاستثمار وغيرها من الشركات والمؤسسات الكبرى في الكويت والخليج لتخصيص جزء من أرباحها لعام 2007 لتبني مشروع أو «مشيريع» تنقيب أو ترميم في أي من دول العالم العربي. كما أدعو جامعات المنطقة ومراكز البحث الى تخصيص ميزانيات وفرق عمل أكبر للحفر والتنقيب وإضافة تخصصات علم الإنسان والتنقيب الى مناهجها وتخصصاتها الأكاديمية لتشجيع الطلبة للدراسة وتوفير فرص عمل للراغبين في ذلك.
مقالات
عتيج الصوف (2/2)
19-07-2007