خذ وخل: ألفبائية السياسة للأطفال 2

نشر في 02-04-2008
آخر تحديث 02-04-2008 | 00:00
 سليمان الفهد

ثقافة الطفل والفتيان هي مهمة تربوية نفسية عصية لا تمنح قيادها إلا للمبدع الخبير بالطفولة، الشايب المسكون بروح الطفل بكل تجلياته في الحياة! والمؤسف أن تلفزيون دولة الكويت: لم يعد يجلب من مصر، سوى المسلسلات الدرامية الخاصة بالكبار إياها! أما البرامج والأفلام والمسلسلات الموجهة إلى الصغار فقد غيبت وغادرت الشاشات الوطنية.

* حاصرني الحفيد النزق المدجج بالأسئلة المتمحورة حول المفردات والمصطلحات التي يهذر بها الكبار هذه الأيام، والتي عرضت نماذج منها الأحد الفارط، كما يقولها إخوتنا المغاربة، دلالة على معنى المنصرم، لذا أيقنت أن هذا الشيطان الصغير قد رضع الدهشة والفضول والسؤال بمعية الحليب، وتأكدت أنه فطم من رضّاعة الحليب، لكنه لم ولن يفطم من رضّاعة علامات الاستفهام مطلقا! من هنا: وجدتني أصرخ فيه قائلا: لقيتها... لقيتها... و... قاطعني ساخراً: تقول لقيتها؟! وكأنك الخواجة «أرخميدس» ما غيره! تجاهلت ملاحظته قائلا: أعني لقيت الوسيلة المناسبة القادرة على الإجابة عن أسئلتك التي تعنّ لك.

حدّجني بعينيه الريّانتين بـ«الشيطنة» الخاليتين من براءة الأطفال إياها (هكذا أزعم بشأن أطفال الألفية الميلادية الثالثة!) ومن ثم قال: هات ما عندك... هاهاثها! اهتبلت محاولته الاستظراف قائلاً: أراك ستغني؟! استرح!

* لاذ بالصمت ولم يعقّب على غير عادته، قلت له المسألة وما فيها أن عمك الجميل إنسان ومبدع... الشاعر الكاتب المخرج المسرحي والتلفزيوني الأستاذ «شوقي حجاب» أبدع مسلسلا تلفزياً للأطفال، مكرساً لشرح قاموس الحياة السياسية والاقتصادية... إلخ، بصيغة إبداعية بهية مموسقة تنفذ إلى عقل ووجدان الطفل بسهولة افتراس «الآيسكريم»!

اسم المسلسل «بِسْ بِسْ هَوْ» ولا تسألني: لمَ اسمه «بِسْ بِسْ هَوْ» وليس كلباً، ربما لأن القطّ عنده تطلعات طبقية تحرجه من حالة «القَطْوَنة» التي لم ترق له، حالماً بالترقي إلى حالة «الكلبنة» التي يصبو إليها!

هكذا شاء المبدع أن يكون! وثمة شخوص أخرى في المسلسل هي: الكلب والفأر ومذيعةالتلفزيون: الشخصية الإنسانية الوحيدة فيه، ووسط حضور هذه الشخصيات، وحركتها وحوارها ونشيدها، ورقصها التعبيري يُثار الموضوع الأساسي لكل حلقة ويتشخص مقارباً المصطلح المعني، متلفزاً إياه بلغة شاعرية شفافة بسيطة كما لغة الأطفال أنفسهم!

* إن المبدع «شوقي حجاب» مسبّع الكارات الفنية، معروف عنه أنه كرس جلّ إبداعه في الشعر، والتلفزيون، ومسرح العرائس، للاحتفاء بثقافة الطفل، والفتيان، وهي مهمة تربوية نفسية عصية لا تمنح قيادها إلا للمبدع الخبير بالطفولة، الشايب المسكون بروح الطفل بكل تجلياته في الحياة! والمؤسف أن تلفزيون دولة الكويت: لم يعد يجلب من مصر، سوى المسلسلات الدرامية الخاصة بالكبار إياها! أما البرامج والأفلام والمسلسلات الموجهة إلى الصغار فقد غيبت وغادرت الشاشات الوطنية بمعية الإعلامي الكبير «محمد السنعوسي»! لكن هذه قضية أخرى تستأهل مقالة خاصة بها. الشاهد أن المسلسل «بِسْ بِسْ هَوْ» عرض في جميع القنوات الأرضية والفضائية المصرية فقط لا غير! ربما يظن العديد من الديار العربية أن تعليم الأطفال الأبجدية السياسية رجس من عمل الشيطان والعياذ بالله! ما علينا... ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقول المثل!

* ووسط خمسمئة طفل من تلاميذ المدرسة الابتدائية شاهدت مسرحية «شوقي حجاب» لموسوعة «فركش لما يكش» التي تعرض الآن على مسرح العرايس بالأزبكية في قاهرة المعز. وهي الأخرى للأطفال أمثالنا! وأحلف بالله ثلاثاً بأن الأطفال (من الجنسين) كانوا في ذروة البهجة والمتعة اللتين كانتا حاضرتين في عيونهم وطلعتهم البهية، بحيث مرت المدة من دون شعورنا بها، وكأن ساعة الزمن من دون عقارب! والمسرحية: تحرض على الفعل والإنجاز والعمل وعمارة الأرض، وتذم الدعة والكسل وغياب الفعل، يتمسرح ذلك كله، عبر الحوار البسيط، الظريف الطريف، الضاحك الساخن المموسق، تردفه الحركات التعبيرية الساعية إلى إيضاح قيمة العمل وتأكيده، وأحسب جازماً: أن الدرس تسلل إلى وجدانهم الغض بيسر كما تبدّى ذلك من خلال توحدهم بشخوص المسرحية سلباً وإيجاباً. كم أتمنى لو أن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب استضاف هذه المسرحية للتدليل على أنه ما برح يحفل بثقافة الطفل، ويعمل على تجذيرها! أم أن ثقافة الطفل غادرت، هي الأخرى بغياب الشيخة «ألطاف سالم العلي»؟!.

back to top