المفقودون داخل الكويت...ملف مفقود 1 نبش القبور غير الرسمي استُخدم في معركة قوائم الأسرى... فلماذا يستمر حتى اليوم؟

نشر في 22-02-2008 | 00:00
آخر تحديث 22-02-2008 | 00:00

مسألة البحث عن المفقودين لا يمكن أن نتركها للنسيان، لأنها مرتبطة بالقانون الدولي الإنساني، وتشعباته المحلية والاجتماعية والنفسية والقانونية لذوي المفقودين أولاً، والرأي العام ثانياً.

«أن تبدأ الحرب... تكون مأساة المفقودين»، هذه المتلازمة تجر وراءها مآسي اجتماعية قد تطول عقودا من الزمن، ولا ينتج عنها حل أو معرفة معلومة عن إنسان اختفى منذ اليوم الأول من بدء العمل العسكري.

مسألة المفقودين موجودة في أكثر من بلد في العالم، نتيجة حروب سابقة، وفي الكويت نتيجة الغزو العراقي عام 1990 وحرب التحرير عام 1991، أصبحنا ضمن نادي الدول التي لديها مشكلة مفقودين، ولعل الميّزة التي تتفرد بها الكويت في هذا الشأن هي في قلّة عدد المفقودين (لا يتجاوزون 300 شخص)، بحسب إحصاءات شبه رسمية متداولة، إضافة إلى الوضع الآمن والمستقر للدولة، وهو ما تتطلبه عمليات البحث عن المفقودين أو الرفات، وتأتي بعد ذلك الاحتياجات اللوجستية من معامل للأدلة الجنائية، وطاقم بشري متخصص في الطب الشرعي، وفرق بحث، وتمويل.

وبحسب الواقع، فإن هذه الاحتياجات متوافرة، وحتى بعض ما لا تملكه الكويت من متخصصين في البحث عن الرفات بحسب الشروط العلمية، يمكن استيراده.

تساؤلات

وعلى ضوء ذلك، يتبادر إلى ذهن المراقب، أو ذوي المفقودين اسئلة مشروعة:

- هل قامت الحكومة الكويتية بما هو مطلوب منها وكما يجب، تجاه ملف المفقودين داخل الكويت جراء الغزو وحرب التحرير؟

- لماذا تعثرت جهود الفرق الأهلية والتطوعية في السير قدما لحل هذه المشكلة، التي مضى عليها 18 عاما، ولم يتحقق منها إلا ما هو متواضع على الأرض؟

- هل يتوقع أن يُغلق هذا الملف بنجاح كامل، في ظل الصعوبات التي تشهدها عمليات البحث عن المفقودين والرفات، من خلال استقراء تجارب الدول الاخرى كالمفقودين الاميركيين في فيتنام؟

نحاول من واقع هذه الاسئلة استعراض الخطوات التي رافقت موضوع المفقودين منذ زمن الغزو العراقي، وما بعده، الذي تمت فيه عمليات الاختفاء.

الديوان الأميري

النشاط الاهلي التطوعي في متابعة المفقودين وعمليات الدفن، بدأت بعد التحرير مباشرة، عندما تقدمت مجموعة من المواطنين بطلب إلى الديوان الأميري بدعم بفتوى شرعية بجواز نقل الجثامين من المقابر العشوائية الى المقابر الرسمية، لمحاولة التعرف على هويات المعنيين بصورة بدائية من خلال التعرف على الملابس او الثبوتيات، او اي دليل او اشارة تدل على الشخص من خلال المعلومات التي يدلي بها أقرباؤه.

وتطور العمل لاحقاً لتدخل فيه أطراف اخرى، مثل لجنة حقوق الانسان التي كانت ترصد أعداد المفقودين من خلال متطوعيها وموظفيها، يضاف الى ذلك بالطبع، اللجنة الدولية للصليب الأحمر، عبر مكتبها الإقليمي في الكويت، حيث تحتفظ بقائمة بأسماء المفقودين بعد التحرير، وتضم غير كويتيين بعضهم اختفى في فترة الغزو العرفي.

مقبرة صبحان

ويمكن اعتبار نهايات عام 1991 الفترة التي بدأ العمل فيها بشكل نظامي، عبر تكليف مؤسسة (kroll) بواسطة وزارة الصحة بحث هذا الموضوع، وحدث ان تم عمل مسح لمقبرة صبحان (الرقة سابقا)، ونتج عن ذلك بعض النتائج التي أُعلنت في تقرير رسمي للمؤسسة في ابريل 1992، لكن لم يتم الاستمرار في هذا الجهد... ربما نتيجة تراخي الجهات الرسمية في هذا الملف.

المرحلة الثانية من جهود البحث عن المفقودين، بدأت منذ عام 1992، حينما تشاركت لجنة منبثقة عن اللجنة الوطنية لشؤون الاسرى والمفقودين، وقامت بتصوير بعض الأماكن من خارج المقابر الرسمية، واعدت تقارير بهذا الشأن، إلا أن جهودها توقفت لاسباب ضعف الدعم والمتابعة من قبل الاجهزة الرسمية، وهي ذات الاسباب التي كانت وراء عدم تمكن جمعية ضحايا الحرب من السير في الموضوع إلى الأمام.

لجنة المرتهنين

ولاحقاً، تم طرح الموضوع في مجلس الأمة من خلال لجنة المرتهنين البرلمانية، وناله من التسييس الشأن الكثير، ولوحظ تذبذب اهتمامات الحكومة من جانب، والنواب من جانب آخر، وهو ما شجع اللجنة الوطنية لشؤون الاسرى والمفقودين على توظيف هذه الاجواء للانفراد في عملية التفاوض وتسيير ملف الأسرى والمفقودين، وتحييد الجهد الشعبي، ولعل من أهم المبررات التي كانت تطلق من الجانب الحكومي - آنذاك - لناحية عدم اثارة موضوع القبور والمفقودين داخل الكويت، هو التأثير السلبي على قائمة الأسرى التي تطالب بها دولة الكويت نظام صدام حسين، وأن أي تشكيك في هذه القائمة يعني التشكيك في مصداقية الموقف الكويتي برمّته.

المرحلة الثالثة، التي مر فيها ملف المفقودين، وهي حرب تحرير العراق عام 2003، حيث أنصبّ الجهد الشعبي على إحياء نشاط البحث مرة أخرى، وأصبح المبرر السابق ساقطاً بزوال نظام صدام، ورغم التطورات المهمة والمفصلية التي طرأت بعد الاحتلال الأميركي والبريطاني للعراق من زاوية، وانكشاف موضوع الأسرى والتوصل الى ما يشبه الحقيقة بأنهم توفوا بأسباب مختلفة من زاوية أخرى، إلا ان تعاطي بعض المسؤولين مع هذا الملف كان يصرّ على حدوث المعجزة في نهاية المطاف، وهي: استقبال الأسرى على الحدود بعد سقوط صدام.

اللجنة الوطنية

ويؤكد ناشطون في عمليات البحث عن المفقودين، ان اللجنة الوطنية لشؤون الاسرى والمفقودين لم يكن لديها حتى ساعة سقوط النظام العراقي، اي مخطط ملموس لمتابعة مسألة البحث عن المفقودين داخل الكويت، ويؤكد هؤلاء أن الضغوط الأهلية أثمرت صدور قرار مجلس الوزراء لتشكيل فريق عمل البحث والكشف عن مصير الأسرى والمحتجزين والمرتهنين، وذلك في مايو 2003، لكن المصادر تؤكد أن المفاجأة كانت عندما صدر قرار بتشكيل الفريق وتحديد مهامه التي اقتصرت على البحث عن المفقودين داخل العراق وليس الكويت! وقد بذلت أطراف مختلفة جهودا في تخويف بعض المسؤولين الرسميين في الحكومة من مغبة فتح ملف المفقودين في الكويت.

التقنيات العلمية

لكن التطور المهم حدث في 5 أغسطس 2003، أي بعد 3 شهور من قرار مجلس الوزراء، حيث صدر القرار الوزاري رقم 1072 سنة 2003 من نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية آنذاك، بتشكيل وحدة البحث في مقابر مجهولي الهوية في الكويت، وبعضوية 9 مواطنين بينهم عسكريون.

وبدأ الفريق عمله بجمع المعلومات من الأهالي التي لم تكن بالدقة الكافية، إلا أنه رغم المصاعب، فقد تم التعرف على بعض الرفات التي كانت موجودة في مقابر صبحان والصليبخات، وبدت معضلة الجهاز الفني واستخدام التقنيات العلمية الحديثة في هذا المجال واضحة، فمن بين 3 قبور جماعية ضمت 18 جثة، تم الاستدلال على 2 فقط، وكان ذلك في اكتوبر 2003، بمساعدة الادلة الجنائية والأطباء الشرعيين، وحتى طريقة التعرف التي تمت كانت بواسطة هويات شخصية كانت موجودة داخل ملابس المتوفين، وتبدو مشكلة التقنيات الحديثة، إضافة إلى الرغبة السياسية، عائقا إلى يومنا هذا رغم تجاوب أهالي الأسرى مع الدعوة الخاصة بتقديم عينات الدم لفريق البحث، للاستفادة منه في فحص الـ (DNA).

الجهات الحكومية

ولا يمكن تقدير الجوانب النفسية والاجتماعية والقانونية، المتأتية جراء هذه المأساة التي طالت من دون مبررات، وما لم تنجزه الجهات الحكومية المسؤولة إلى الآن، هو نبش القبور والتعرف عليها بالاستناد إلى المعلومات المتوافرة، حتى لو كانت غير مؤكدة لدى اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى والمفقودين.

فهل سيكون عزاء أهالي المفقودين داخل الكويت - وحتى خارجها - تصريح وزير الداخلية بأنه سيبحث عنهم تحت كل حبة رمل، حتى يعودوا إلى ارض الوطن وإلى اهلهم.

back to top